الشمس مشرقة هذا اليومكما هي في الأمس، تسقط بعض أشعتها على أرضية الغرفة في هذا الفندق العتيق، متسللة من بين أشجار الغابة، وكأنها تنبه النيام أو تقول لهم النهوض خير من الرقاد، والسياحة لا تتوافق مع النوم، عكس السياسة ومشاريع بناء الأوطان توافقياً.
الفطورفي قاعة من قاعات الفندق المتعددة تقربها الزخارف من تلك القاعات المشهورة في قصور الأباطرة والملوك وبعض من قادة الثورات، ومن بعده المغادرة والانطلاق في خطوة أخرى، لكنجمال توركيه والمكان يدفع الى التشبث بالبقاء الى آخر المشوار، فكان المشوار مشياً على الأقدام تارة وتجوالاً بالسيارة تارة أخرى على طول الشارعالساحلي حتى نهايته، مرتفعٌ يطل على البحر، مغلف بحشائش وكأن خضرتها بساط مفروش،تجلسوسطه مثل الغير على مصاطب تحمل أسماء شخصيات مشهورة من أهل المنطقة، أو تمد جسدك منزوعاً من بعض الملابس مثل الغير، فجميع الأوضاع مسموح بها، ومنها جميعاً ترى البحر، تتأمل في بعيد أعماقه التي لا ترى، قد تغفو على نسيمهالآتي من وسط بعيد، وقد تحلم إذا ما غفوت قليل.
الغفوة آتية حقاً والحلم ها قد تحقق،لكنه حلمٌ غير ذاك الحلم الذي يراود أيام الشباب عن حورية البحر الجميلة وشعرها الاسطوري الذي يستر جسمها العاري وتمنيات الرفقة واكتشاف الأعماق، كان الحلم في هذا المكان النائي أقرب الى الكابوس، سقوط في بئر عميق مثل البئر الذي أسقط فيه يوسف،يفيق الحالم بعدهمتأكداً أن البحر بعظمته لم يمسح من الذاكرة المليئة هموم لصقت بها عقود من الزمان.
حلوقت العصر في هذا المكان، المسافة منه الى لندن أربع ساعات، قلنا سوية لم الاستعجال، لنفتش عن مدينة وسط الطريق نقضي الليلة ومنها نعود، فكانت برستول (Bristol) المدينة التي تقع هي الأخرى على خليج. ساعتان متواصلتان يبانالفندق الذي تم الحجز فيه جنوب المدينة، تفاجئنا بحقيقته التي لا تعبر عنها الصور المنشورة على مواقع الحجز،بيت في الأصل يطل على الخليج، تحوّرَ ليكون فندقاً، تديره العائلة، ومع هذا يفي بالغرض.
لم يبق من المغيب الا القليل والماء سيد الموقف في كل الأمكنه، نظرنا اليه فتشنا عنه قال الماشين على البلاج أنه وقت الجزر وماء الخليج يهرب بعيداً عدة كيلومترات بسبب استواء الأرض وتدرجها الخفيف، لكنه يعود قريباً عند انتصاف الليل.
الخيارات تفضي الى التجوال بالسيارة التي قادتنا الى مناطق المدينة التي يقع جل جنوبها على مرتفعات تحاذي الخليج.قالت لنقف هنا أرى ماء البحر قريببينما كان هناك بعيد، وأرى رملاً وعوائل تسبح وأطفال، وأرى كازينو مدورة لنستريح، تبين من قريب أن الماء هو بلاج اصطناعي أعدته البلدية للأطفال من أجل متعتهم وعوائلهم لا يتأثر بالمد والجزر، والكازينو داخلها مطعم يشرف على الخليج فكان المكان الأمثل لنهاية يوم.