الانجليز يطيلون وقت الفطور الصباحي، يتكلمون يناقشون، يَسمَعُونَ وَيسّمِعونْ، قال الجالس حول الطاولة المجاورة ألم تشاهدوا قرية شيدر، من لم يشاهدها والشمس متعامدة على أشجار واديها السحيق، لا تحسب له سياحة في المنطقة، واستمر في التعريف كأنه صاحب مكتب سياحي قائلاً إنها قرية صغيرة، تنتصب على وادٍ أخذت اسمه، تتبع محافظة سمرست من انجلترا، يسكنها أثرياء، باتت معلماً سياحياً يئمه نصف مليون سائح سنوياً، منتجاتها من الألبان والأجبان والخضروات طبيعية، أهلها من السكان الأصليين والمهاجرين ودودون، يبتسمون لمن يعرفونه وكذلك لمن لا يعرفون. فجاء القرار غواية أن ينتهي اليوم الأخير من هذه الجولة الصيفية عند هذه القرية التي تبعد عن الطريق السريع عشرون دقيقة، لا يحس في ربوعها راكب السيارة أو الدراجة بالوقت من كثر التواء شارعها وروعة الهواء.
الوقت قبل الظهر، والمكان فتحة وادٍ وسفح جبل، موزعة عليه بيوت بحدائق غناء، يقطع بعضها نهر صغير أو ساقية ماؤها زلال، استمر هكذا ينساب نازلاً من خاصرة الجبل منذ آلاف السنين، لم ينقص ولم يتحكم به أحد من المنبع.
تقطع تذكرة دخول وتسير مشياً أو تركب سيارة فالمكان قريب.
أول المشوار كهف سكن فيه الانسان القديم عند استواء عوده وشرع بتكوين العائلة والجماعة، أكتُشِفَفي المنطقة نهاية القرن الثامن عشر، وأكتشف فيه أقدم هيكل عظمي يقدر عمره تسعة آلاف سنة معروض كما هو في بداية الكهف. أوصى مكتشفه أن يدفن فيه، وقد دفن فعلاً وخلده تلاميذه وأهل القرية بعبارات نقشت على حافة الكهف وصورة له ترتفع متران.
خارطة ترشدك الى باب الكهف الذي يقف في مقدمته موظف يعطيك جهاز تسمع منه شرحاً عن الكهف، تشعر في خطوتك الأولي وكأنك قد عدت الى الوراء آلاف السنين.
الكهف ممر رئيسي متعرج وعلى جانبيه حفر لا تزيد الواحده على ثلاث أمتار، سكنها ذاك الانسان، وحفرٌ أخرى، مليئة بالماء الذي ينبع من الارض ويجري الى خارجها، وسطه فتحة تفضي الى الخارج، المرور منها واليها زحفاً، تستخدم للتهوية وربما للتسلل عند الحاجة. وفي الأعلى مجالاً تصعد اليه بسلالم غير نظامية كان مكاناً لتخزين الطعام.
تتوغل في الظلمة همساً لتجد عروضاً سينمائية،شاشتها صخور الكهف ذاتها، تحكي عن ذاك الانسان منذ أن تحول في مشيه على ساقين، ونظم صيده بعصا وأوقد النار بحجر، وكون عائلة وصنع اللغة ليتفاهم مع القريبين.
في جوار الكهفكان هناك متحفاً عرضت فيه صوراً لمواقع وسبل عيش، نظمت على جانبيه معارض لأدوات صيد تعود الى أكثر من مليون سنة بينها رماح من أغصان الشجر وفي رأسها نبال معدنية.
تنهي جولتك فيها، تقف في الشارع، تسأل نفسك أين هو سيدنا آدم من هذا المكن.
أنصحك أن لا تسأل، وأن لا تفكر، فما زلنا لم نتعود التفكير الاستنتاجي، والى أن نتعود سنبقى لا نسأل وسيبقى أمامنا الكثير.