لم يمل صاحبي التجول، ولا الرغبة في الاطلاع على معالم المدينة وباقي الأحوال، لكن معالمنيويورك لا يمكن تغطية كل معالمها باستعجال. في آخر يوم لهذه المدينة الصاخبة اقترح الذهاب الى متحف الشمع (مدام توسو) فقد سمع وقرأ عنه الكثير، أيَدْتُ مقترحه على الفور فالسفر يحتاج تأييد.المتحف يتوسط شارع برودي، شارع الثقافة والفن، تذكرة الدخول اليه ليست غالية مثل تذاكر المسرح، تضع قدمك على أول قارعة الطريق في عمارة من عدة طوابق تجد بمواجهتكتماثيل شمع لعديد من المشاهير تقترب من الواقع الى حد كبير، أكثرهم ممثلين مشهورين، وفنانين كبار ومطربين، ومذيعات قديرات ومقدمي برامج تلفزيونية وعلماء ومخترعين. تصعد قليلاً تواجهك تماثيل رؤساء دول أخذ نلسن مانديلا وكاسترو مكاناً، وقريباً وقف ياسر عرفات بكوفيته المعهودة، والقذافي بعباءته المعروفة، وصدام حسين ببزته العسكرية، والى جانب من القاعة الفسيحة أخذ الرؤساء الأمريكان مكاناً مميزاًبينهم بوش الابن وأوباما وكلنتون واقفاً الى جانب زوجته هيلاري، وفي آخر الرواق المكتب البيضاوي للبيت الأبيض يقف وسطه الرئيس ترامب بقصة شعره المميزة، ومن كان مهووساً بالرئاسة سمحوا له الجلوس على الكرسي الرئاسي والتقاط صورة مع تمثال الرئيس، علّه يتخيل أنه هو الرئيس. طوابق عدة وممرات عدة أحدها للرعب وضعوه خصيصاً لمن يشتهي الاثارة من وقع الرعب والتمتع بخفضها بعد انتهاء اللقطة بسلام، ومن بعد هذا قسماً خاصاً يؤرخ صاحبة الشأن منذ نشأتها نحاتة ولدت فرنسية عام ١٧٦١وهاجرت الى أمريكا عاملة في الحرب الأهلية تماثيل لرؤوس جنود مقتولين، الى أن افتتحت معرضاً يضم تماثيلها ومن ثم انتقالها الى لندن، واقامة أشهر متحف شمع بين متاحف أقيمت في عديد من البلدان.قبل المغادرة يجد الداخل نفسه في قاعة عرضت فيها هدايا تذكارية تباع بأسعار معقولة، ويجد لزاما عليه القول كان المتحف منظماً ومزدحماً بالزوار، لكنه لا يضاهي في مادته وتنظيمه متحفها الشهير في لندن.
قل ما شئت واكتب ما شئت فالزمن يجري والوقت يمر سريعاً يقتطع من حصة لك في عمر قيل أنه كتب محدود، وما عليك الا أن ترزم أغراضك وتستعد لمشوار آخر في السفر يستحق الاطلاع، المطار قريب والحضور قبل ساعتين معقول لرحلة داخليةصوب ولاية فلوريدا وبالتحديد مدينة تامبا، تأخر الصعود الى الطائرة وتمدد الوقت مرتين، واعتذرت الشركة لازدحام في طريق الركون الى الخرطوم، صعد الركاب يتمتمون، فالوقت عندهم من ذهب، درجت الطائرة بطيئة توقفت مرتين وفي الثالثة أطفأ الطيار محاركها معتذراً عن الاقلاع لعاصفة هبت في الأجواء، عند هذا استسلم الجميع دون تعليق فالحياة عندهم ثمينة، ساعة أقلعت بعدهاواثقة بمحاركها الثابتة أعلى الجناحين، وبقدرة طيار أختصر الزمن الى ساعتين وربع الساعة، معاوداً الاعتذار عن التأخير ساعتين حال ملامسة اطارات طائرته غير الحديثة مدرج المطار.
الوصول ليلا لا يعطي انطباع عن المدينة التي تحف مصابيح الاضاءة العالية شوارعها الواسعة حتى فندق يتوسطها بطوابقله عشرة وحدائق مسقفة بزجاج ومسبح مفتوح في طابقه التاسع يشرف على المدينة التي تظهر من تحته خضراء، قال موظف الاستعلامات أنه من البنايات العالية، فالمدينة معروفة بانخفاض بناياتها، البيوت فيها غالباً من طابق واحد ونادرا ما تتعدى الطابقين، مفتوحة حدائقها بعضها على البعض الآخر، أشار الى وسط ها والى عمارات لا تتعدى العشريعدونها عالية، وعندما سؤل عن السبب أجاب أن التربة هنا رملية لا تتحمل أعباء البناء العالي بأية حال. ختم قوله وهو يسلم مفتاح الغرفة ستجدونها أجمل في النهار وسَتكَونونَ عنها انطباعات ايجابية فهي مدينة معروفة بهدوئها وجمالها الخلاب.