عــــــام
1. يتفق الخبراء الإستراتيجيون المعاصرون والقادة العسكريون والسياسيون المتابعون، وعلماء النفس العسكريون فيما يتعلق بإعداد القوات العسكرية لمحاربة الإرهاب على جملة حقائق بينها:
آ. إن إعداد القوات المسلحة لمهام القتال بالضد من قوى الإرهاب ما هو إلا حلقة من حلقات عدة تشمل الإعداد المناسب لأجهزة ومهام الدولة الأخرى في مجال:
أولا. الاقتصاد بهدف أن يكون قادرا على تعويض الخسائر وتحمل الأعباء، وسد حاجة المجتمع إلى أشباع الحاجات للتخفيف من ضغوط القتال والتهديد.
ثانيا. الأمن لتحقيق الحماية الملائمة للأشخاص والمواد والبنى التحتية، وتضييق هامش القدرة على تنفيذ الأعمال الإرهابية، وضبط المنافذ والحدود التي تؤمن الحاجة النفسية إلى الأمن وتخفف من ضغوط التهديد.
ثالثا. السياسة بامتلاك أوراق مناسبة للتأثير، ومرونة جيدة للتفاهم والتنسيق، وقدرة عالية لتعبير الرسائل كما هو مطلوب.
رابعا. الاستخبارات لتوفير المعلومة التي تساعد في عمليات فرز العدو وتسهيل عملية الوصول إليه، ومن ثم تجنيب المدنيين والبنى التحتية الاثار المباشرة وغير المباشرة للقتال والاشتباه.
ب. إن الإعداد لمثل هكذا حروب، عمل لا يتوقف عند الأساسيات المادية المذكورة في اعلاه والتي لا يمكن فصل تاثيراتها وتفاعلها عن إجراءات نفسية معنوية لتعزيز وجودها، وتحسين ظروف تنفيذها بل وتشمل بالإضافة إليها جملة أمور بينها:
أولا. إدارة عامة للدولة والمجتمع تنسجم وتعبئة الجهد المناسب لديمومة القتال وتحسين فعل التأثير من جهة وتكوين وضع معنوي إيجابي بين عموم الأبناء يعينهم على القبول بالواقع وتحمل أعباء الخسائر والضغوط الناتجة عن الحرب من جهة أخرى.
ثانيا. الحشد النفسي الملائم لتوحيد مفهوم العدو "الإرهاب" لعموم أبناء الشعب بغية تقليل معالم الإختلاف بين تركيبته الإجتماعية لما يتعلق بالأفكار والمفاهيم ذات الصلة بالقتال وبما يحقق تحوير معالم الصراع أو نقله من صراع بين الكتل والشرائح والأحزاب إلى صراع بينهم جميعا من جهة والإرهابيين من جهة أخرى، كذلك الدفع إعلاميا وسياسيا لوضع العدو الإرهابي في موضع التهديد الخارجي للمجتمع بغية تكوين مشاعر قلق من وجوده، تكفي لتوحيد الجهد المتاح لعموم الأبناء في المعاونة الشعبية لمقاتلته.
ثالثا. إدارة عملية إعلامية شاملة بجميع الأتجاهات، تعلي شأن الفعل العسكري القتالي بالضد من الإرهاب" بناء" وتقلل في ذات الوقت من أهمية العمل الإرهابي في حرف المسيرة" دمار".
رابعا. العمل على تكوين إنسجام وتوائم سياسي وإداري ونفسي لأجهزة الدولة تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا، لتامين الدعم المناسب لعمل القوات المسسلحة ميدانيا.
خامسا. الدفع باتجاه تعزيز الولاء للدولة على مستوى المقاتل في الميدان والقائد في المفاصل العليا للقرار.
سادسا. تفهم الحكومة لطبيعة عمل العسكر في ساحة القتال، وتقديم الدعم الكافي لوجودهم ماديا ومعنويا.
سابعا. المراقبة الدقيقة لسلوك العسكريين في قتالهم واختلاطهم بالمدنيين وبقضايا الناس في ميدان القتال والميادين القريبة منه مع الأخذ بالاعتبار ضرورة الحسم في تنحية الفاسدين والمنحرفين فورا وتكريم المخلصين المتفانيين بنفس السرعة المتاحة.
ثامنا. الدقة في أختيار القادة والآمرين على مستوى الفوج واللواء والفرقة في الميدان، وهيئات الركن في المفاصل العسكرية العليا على اساس:
(1). الولاء المطلق للعراق.
(2). النزاهة والاستقامة.
(3). الكفاءة المهنية، والتدرج القيادي المناسب.
(4). الأبتعاد عن التحزب والتكتل الطائفي والقومي والمناطقي.
(5).الذكاء والمبادرة والثقة بالنفس والدولة.
2. إن الإجراءت المذكورة وأخرى غيرها عمل ضخم وشامل على المستوى العام يرقى في ظروف خاصة كالتي تجري في العراق إلى مستوى إعداد الدولة للحرب، وهو عمل من أعمال الاستراتيجيات العليا واسع المدى يحقق أنجازه بالمستوى المطلوب الآتي:
آ. القدرة على ردع العدوان الإرهابي في أية لحظة وفي أي مكان من البلاد.
ب. تحقيق الحسم المطلوب في وقت أقل.
ج. الصمود وبقدرة معقولة على التحمل لفترة زمنية أطول.
د. تقليل الخسائر المادية والبشرية إلى أدنى مستوى ممكن.
هـ. المحافظة على مستوى اداء حكومي وشعبي مقبول، وأستقرار نفسي معقول.
و. إدامة زخم القتال بالمحافظة على فعل عسكري مؤثر، ومعنويات عالية وإرادة قتال فعالة.
ز. توحيد وحشد الجهد المتاح للقتال والدعم والأسناد.
3. تأسيسا على ما ورد أعلاه فإن الاستعداد النفسي للحرب على الإرهاب وإدارة عملياتها القتالية عمل يتطلب حشد كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعسكرية، في تخطيط منسق لتحقيق غاية وطنية أو هدف استراتيجي واحد.
4. في العراق وتبعا لظروفه الحاضرة بات من المعروف أن القوات المسلحة هي الدرع الواقي للدولة ضد الإرهاب، وهي التي تحافظ على سلامة ترابطها الوطني وتدافع عن مكتسباتها وأمنها.
كما إنها الأداة الوحيدة لردع يحول دون التمادي من قبل الإرهابيين مستقبلا. وهذه حقائق لا يمكن للقوات المسلحة أن تكون قادرة على تجسيدها واقعيا في السلم والحرب إلا إذا تم إعدادها، وبناؤها البناء الصحيح من قبل الحكومة التي ينبغي أن تولي هذا الموضوع أهتماما جيدا، وتعطي القسط الأكبر من جهدها ووقتها المتاح إلى التهيئة والإدارة العامة وإلى التنفيذ الفاعل للعمليات القتالية.
العوامل المؤثرة على إعداد القوات المسلحة للحرب على الإرهاب
1. قد لا تختلف العوامل المؤثرة على إعداد القوات المسلحة للحرب على الإرهاب عن تلك العوامل المؤثرة على إعدادها للحروب التقليدية أو الشاملة إلا في بعض الجوانب المحدودة، والعومل المؤثرة بوجه العموم هي:
آ. الهدف الاستراتيجي للدولة: أن يكون واضح المعالم لا يقبل اللبس والتأويل من أية جهة أو فئة ذات قدرة على التأثير.
ب. الأقتصاد العام: وفرة في الموارد، وقدرة على التعويض، وأمكانات في السيطرة وضبط السوق وتوفير الحاجات الأساسية.
ج. الموارد البشرية: كافية من الناحية الكمية لتعويض الخسائر، ورفد التشكيلات الجديدة، ومنسجمة من الناحية النفسية مع توجهات الحكومة وإجراءاتها في المكافحة والقتال.
د. طبيعة الإرهاب:
أولا. النشأة. فيما إذا كان خارجيا أم داخليا.
ثانيا. التكوين. ذات جذور دينية أو ايديلوجية سياسية أو قومية.
ثالثا. الناحية الفنية. قدراته الميدانية، ومديات تاثيره، وإمكانياته على التحرك والعمل في الساحة. وأسلوب إدارته لمعاركه وموارده للتمويل والإمداد.
رابعا. الأهداف. فيما أذا كان السعي أولا لأسقاط الحكم، أو أعاقة سير الدولة والمجتمع أو مقاتلة الجيوش والقوى الأجنبية الموجودة على الأرض العراقية، وهل ينوي أقامة دولة أو حكومة تدار من قبل جذوره الممتدة.
هـ. أساليب القتال السائدة والمحتملة، وأنواع الأسلحة المستخدمة فيها.
و. طبيعة مسرح العمليات، والإستعدادات العسكرية للدولة، وأسلوب القيادة والسيطرة.
2. يعد العراق ساحة قتال متقدمة للحرب الدولية ضد الإرهاب تبعا للإستراتيجية التي نفذت بعد سقوط نظام الحكم في 9/4/2003، وعلى أساسها أصبحت قواته المسلحة التي تقاتل قوى الإرهاب مشاركة في الحرب مع قوات متعددة الجنسيات أو مدعومة من قبلها، وأصبحت أرضه من أقصى الشمال إلى أخر نقطة في الجنوب منطقة أستقطاب للإرهابيين مع تفاوت ملموس من منطقة إلى أخرى، أكثرها شدة وتأثيرا مثلث الجزيرة الذي تمتد قاعدته من بغداد إلى ديالى وضلعاه عبر الرمادي وصلاح الدين حتى الموصل، قمته أو زاويته العليا، مع بؤر باتت تتسع في الوسط والجنوب خاصة في المثنى والديوانية، والبصرة وأقل منها في العمارة ومرشحة للإتساع في هذه المناطق وأخرى غيرها، من هذا يمكن القول أن عوامل أخرى تكونت لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الإعداد المهني وعلى أداء القوات المسلحة نفسيا وماديا أهمها:
آ. برنامج الحكومة وتوجهاتها في التعامل مع القضايا الشائكة بين مكونات الشعب العراقي والتي أصبحت عوامل مساعدة على أنتاج الإرهاب الداخلي على وجه الخصوص.
ب. رؤى السياسيين في الحكومة بالقوات المسلحة والجيش على وجه الخصوص، وتوجهاتهم الفعلية في إعادة بنائه أصوليا، ومديات تخلصهم من الأفكار المضادة لوجوده"رواسب الماضي" طرفا حملته المسئولية الأعتبارية في الحروب والكوارث.
ج. التناحر الطائفي الذي دفع البعض من العراقيين للاحجام عن العمل بالقوات المسلحة ودفع البعض الآخر إلى التهافت للعمل فيها مكونا:
أولا. خلل في التركيبة الأجتماعية العامة لمستوى المراتب على وجه الخصوص يؤسس عليه البعض من السياسيين مادتهم في النقد التي تؤثر سلبا على الولاء من ناحية وعلى الأداء العام، وحيادية التنفيذ من ناحية أخرى.
ثانيا. سعي إلى تكوين تشكيلات عسكرية لمستوى فرق وألوية وأفواج على اساس قومي أو مذهبي أو مناطقي أسهمت في:
(1). تحديد قدرة القيادة العامة للقوات المسلحة على المناورة بالقطعات على مستوى البلاد.
(2). عدم رغبة المقاتلين في أداء الخدمة القتالية خارج المحيط الجغرافي للمحافظة، لمستوى أمتناع البعض عن التنفيذ.
(3). غياب الأستعداد النفسي لبعض المنتسبين لمقاتلة الإرهاب المنتج داخليا في المنطقة والطائفة.
د. التواجد العسكري الأجنبي "المحتل" وسبل التعامل مع قواته "متعددة الجنسيات" الذي كون:
أولآ. أنقسام في التعامل وأستثمار الوجود زاد من التباعد بين الطوائف والأقوام.
ثانيا. تدخل مباشر في التسليح والتجهيز وتحديد حجم القوات وتحركها قلل من قيمة العسكرية العراقية واثر سلبا على تهيئتها وعلى أدائها في الميدان، ومن ثم على الولاء لوجودها رمز للوطنية العراقية.
ثالثا. خلق أعداد من التابعين إلى الأجنبي خارج السياقات المهنية أخل بالضبط والمهنية وبمعايير الأمن العسكري، ودفع في المقابل البعض الاخر الموجود بالضد إلى سلوك التسيب واللامسئولية.
رابعا. تقليص هامش الحركة المعطى للقوات المسلحة العراقية في التعامل مع الإرهاب الذي أرسى سلوك عدم تحمل المسئولية في الإعداد والتطوير، والقتال في بعض الأحيان.
هـ. التدخل الخارجي دوليا وأقليميا الذي أسهم في:
أولا. تعزيز تجزاة الولاء، وزيادة عدم التجانس بين التركيبة الأجتماعية.
ثانيا. أعطاء قوة دفع للجماعات الطائفية على حساب الوحدة العامة للمجتمع.
ثالثا. أمتدادات متشعبة لنفوذ أجنبي متعدد الأغراض، والاتجاهات على حساب العراق الموحد.
و. الوجود المليشياتي الذي تسبب في:
أولا. خرق امني.
ثانيا. تدخل في القيادة والسيطرة.
رابعا. امتداد للتدخل الأجنبي.
خامسا. ضعف في مستوى الأداء وتلكؤ في تنفيذ المهام.
التدابير المتخذة لإعداد القوات المسلحة للحرب على الإرهاب
1. التخطيط .
يعتبر التخطيط الاستراتيجي العمود الفقري لإعداد القوات المسلحة بغية أستخدامها في القتال بالضد من الإرهاب من خلال تأمين كل احتياجاتها المادية والفنية، والبشرية والمعنوية.
ويتم التخطيط بهذا المستوى ولهذا النوع من الاستخدام من قبل أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة إذا ما خذنا بنظر الإعتبار أن توصيف القوات المسلحة يمتد ليشمل أجهزة وتشكيلات أخرى خارج الجيش الإعتيادي، على أن يصادق على هذا التخطيط من قبل رئاسة الوزراء الجهة التنفيذية، ويشمل هنا العديد من الخطط والتوجيهات العامة والخاصة بينها:
آ. تبرير أستخدام القوات المسلحة في الحرب.
ب. أستخدام العشائر لأغراض الدعم والإسناد الميداني تحت إشراف وسيطرة القيادة العامة للقوات المسلحة.
ج. التعبئة العامة في حال الحاجة إلى تطبيقها في الظروف الحرجة.
د. كسب الجماعات والتكوينات الأجتماعية المحايدة، وتحييد الجماعات المناوءة.
هـ. التحصين النفسي الشامل للقوات المسلحة.
و. المرونة التي تأخذ بالاعتبار:
أولا. الهدف الاستراتيجي الواجب بلوغه بكفاءة وقدرة عالية وبواقعية ملموسة.
ثانيا. الإمكانات والقدرات الفعلية المتاحة للقوات المسلحة.
ثالثا. إمكانات الدولة وقدراتها لخدمة القوات المسلحة وتوفير مطالبها.
رابعا. مراجعة هذه الخطط دورياً، أو كلما طرأت تطورات جذرية على الأحداث المحيطة بالدولة أو التي قد تؤثر فيها حتى تتجاوب الخطط مع هذه التطورات، وتؤمن مواجهتها بكفاءة وفعالية.
2. التعبئة النوعية.
في ظروف العراق لمرحلة ما بعد التغيير غير المستقرة، ووجود قوات متعددة الجنسيات، وتحسسها العالي من حجم وتسليح القوات المسلحة العراقية، يصعب على الحكومة، وإن تحسنت قدراتها الاقتصادية في أن تعبئ المجتمع العراقي أو أن تستنفره لتوسيع حجم القوات المسلحة وبما يؤمن حاجة أنتشارها في عموم العراق ساحة قتال فعلية.
كما أن توسعها في الحجم بضوء الأداء المتدني والجاهزية الناقصة حاليا سيشكل عبئ على الأقتصاد العراقي في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب، لذا لم يتبق أمام المخططين في القوات المسلحة فرصة سوى الأستعاضة عن التعبئة العامة أي التوسع الكمي بأخرى تتاسس على مفهوم التعبئة النوعية أي الإلتزام النوعي من خلال:
آ. إعادة النظر بنظام التطوع والحث لأن يكون شاملا لعموم العراق.
ب. وضع ضوابط لأختيار وتصنيف الأفراد العسكريين وتوزيعهم بضوء التأهيل والكفاءة والعمر، والقابلية البدنية والعقلية.
ج. الترشيق في جسم القوات المسلحة من خلال إعادة النظر بالرتب العسسكرية الموجودة لتكون متلاءمة مع الملاك والحاجة الفعلية.
د. عدم زج الوحدات والتشكيلات الجديدة في القتال إلا بعد أكمال مستلزمات تدريبها.
هـ. إعادة النظر بنظام واسلوب التدريب ليعطي قوة دفع بدنية ونفسية لعموم المقاتلين.
و. إعداد خطط توجيه معنوي، وتقديم حوافز تعين العسكر على المطاولة والصمود.
ز. وضع قوانين خاصة بالخدمة العسكرية والتقاعد تعزز من مكانة العسكر وتقوي علاقتهم بالدولة والمجتمع.
ح. في العراق الذي يعاد بناء قدراته وبناه التحتية في ظروف التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية التي لم تنضج معالمها بالمستوى المطلوب حتى الوقت الراهن تواجه التعبئة العامة والنوعية بعض التحديات الجدية مثل:
أولا. تشارك قواته في القتال بالضد من الأرهاب بالوقت الذي تشهد فيه جهود لإعادة بنائها من جديد الأمر الذي يعيق تلك الجهود، ويحدد صيغ التطوع.
ثانيا. القتال في ساحة لم يكن أهلها مهيئين نفسيا، مما يلقي أعباء على المقاتلين تفوق تلك الموجودة في أنواع القتال الأخرى.
وعموما فإن القرار على حجم القوات المسلحة وأسلوب بنائها ينبغي أن يتأسس على تلبية مطالب الحرب القائمة بالضد من الإرهاب، وان يساير اتجاهات التطور سواء في المعدات أو في أسلوب القتال، كما يجب أن يراعى ما يمكن أن تحدثه هذه الحرب وطرق التأثير على الدولة والمجتمع من خسائر في القوى البشرية والمعدات والبني التحتية، بحيث يؤمن الحجم المطلوب إمكانية الاستمرار في القتال.
3. التعبئة النفسية.
آ. لم تكن ساحة القتال الداخلية العراقية ممهدة لعمل القوات العراقية والأجنبية في كل أنحاء العراق، ولم تكن مواقف السكان المحليون من الحكومة والنظام الديمقراطي المفترض، وكذلك من الإرهاب والأعمال المسلحة المضادة للدولة والمجتمع موحدة في عموم العراق أيضا، مما يتسبب في وجود جملة متغيرات تؤثر مباشرة على الأداء والدافعية الخاصة بالمقاتل من جهة وعلى مواقف السكان المحليون من جهة أخرى، مثل الموقف من التغيير إلى الديمقراطية، والأنحياز الطائفي مع أو بالضد من الحكومة، وغيرها أخرى أدت إلى:
أولا. دفع البعض من المقاتلين إلى المغالاة في التعامل السلبي مع السكان الموجودين صدفة في ساحة المعركة، الأمر الذي تسبب في خلق أعداء وأرهابيون جدد.
ثانيا. تنحي البعض جانبا عن القتال الجاد في حال التقرب إلى مناطق الأنتماء الطائفي والعشائري.
ثالثا. الأستثمار غير الشرعي لمستلزمات ونتائج القتال لأغراض الأبتزاز في بعض الأحيان.
ب. إن التعبئة النفسية في العمل القتالي بالضد من الإرهاب، وإذا ما أديرت بشكل مهني، وجدي، ومحايد سوف تسهم مع إجراءات التعبئة الصحيحة للدولة في المجالات الخدمية والسياسية والأجتماعية في تعزيز خصائص قيمية لدى العسكريين يحتاجها الجيش، والمجتمع العراقي، أعمده للنهوض وتجاوز مرحلة الإضطراب وعدم الإستقرار منها:
أولا. الولاء للدولة بالمستوى الذي يفوق الولاء الموجود للطائفة والعشيرة والمنطقة.
ثانيا. المهنية والضبط عالين المستوى.
ثالثا. النزاهة والإلتزام القيمي بالضوابط والمعايير العسكرية والأنسانية.
رابعا. المراقبة البينية لجميع المنتسبين وفيما بينهم.
خامسا. الوطنية الجادة والروح المعنوية العالية.
سادسا.الحصانة الأمنية والنفسية الذاتية الجيدة.
ج. إن النظر إلى متطلبات التعبئة النفسية للقتال المذكورة في أعلاه يؤشر أن جميعها متطلبات تتعلق بالمشاعر والأتجاهات والألتزامات أي أنها متطلبات نفسية معنوية يأتي قسم منها مع العسكريين المقاتلين، أي يكون موجودا في دواخلهم قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية، ويتكون القسم الآخر خلال عملهم القتالي في الوحدات . ومع ذلك فهي متطلبات تحتاج إلى أدامة وتعزيز من قبل الدولة بأجهزتها العامة ومن المؤسسة العسكرية بأدواتها المتيسرة من خلال جملة أعمال أهمها:
أولا. اشعار العسكري المقاتل بأهمية عمله الوطني.
ثانيا. مساعدته لأدراك حقيقة أن عمله في ساحة القتال الداخلية، حساس تحسب نتائجة بمستوى فرض الأمن والأستقرار وليس بعدد القتلى والمصابين.
ثالثا. تقديم الدعم المادي والمعنوي المناسب للمقاتل، وبالمستوى الذي يقتنع أن عمله وطني، مميز تقدره الحكومة والمجتمع، يسد حاجاته الأساسية، ويوفر له درجة تقدير كافية.
رابعا. توثيق العلاقة والثقة بين منتسبي الوحدة العاملة في المنطقة، والسكان المقيمين في محيطها.
خامسا.الشحن الإنفعالي المنظم للمقاتل باتجاه الإرهابي الموجود دون غيره من أبناء المنطقة والموجودين صدفة في الساحة.
سادسا. التدريب النفسي المستمر لعموم المقاتلين على:
(1). الحيادية في التعامل مع الموجودين في الساحة والقريبين منها.
(2). ضبط النفس، وتجنب التهور والغضب في مواقف القتال المباشر.
(3). عدم التعميم، وتجنب الأعتقال العشوائي للشباب والمراهين.
(4). تقديم المساعدات والأسعافات الطبية السريعة للسكان المتضررين.
(5). أستمالة السكان الموجودين في الساحة لصالح الفعل العسكري بهدف الاستفادة الميدانيية لأغراض الدلالة وجمع المعلومات.
(6). تجنب الانتقام والسب والشتم والعمل على تحويل الإنفعال الجماهيري بالضد من رموز الإرهاب.
4. الأمن والاستخبارات
في ظروف القتال الجاري على الساحة العراقية، وبين المدنيين العراقيين، وبمشاركة القوات المسلحة العراقية يبرز عامل الأمن والاستخبارات بمستوى متقدم، إذ تحتاج الوحدة المقاتلة أو التشكيل في جوانب الأمن إلى:
آ. تأمين وجودها من الهجمات القريبة والمفاجئة.
ب. الحماية من الخرق الأمني الداخلي.
ج. الحيلولة دون عمليات الرصد وجمع المعلومات المعادية.
د.العزل الميداني بين المنتسبين والسكان المدنيين، أي تجنب الأختلاط غير المبرر.
هـ. وتحتاج الوحدة/ التشكيل وحتى الفرقة إلى جهد أستخباري يضمن:
اولا. سرعة التعرف على بؤر الأرهاب بالمنطقة، وبين السكان المحليين.
ثانيا. تشخيص دقيق للأرهابيين الفعليين من بين المدنيين المتواجدين في الساحة.
ثالثا. رصد النوايا وردود الفعل السريعة خلال مراحل القتال.
رابعا. التعرف على الجهد الإرهابي المعادي القريب، والمحتمل أن يتدخل لأغراض الدعم والاسناد.
خامسا. التحقق من الشخصيات القيادية المؤثرة والفاعلة بن الإرهابيين.
سادسا. التعرف على الجهات الحاضنة في المنطقة والقرية والمدينة المعنية.
سابعا. متابعة خطوط الدعم والتمويل في المنطقة، والمنسقين بينها والمناطق الأخرى.
ثامنا. تشخيص أعضاء الأرتباط، والمعنيين بالرصد وجمع المعلومات.
إن الجهد الأستخباري والأمني التعبوي ضروري لتحقيق التفوق على العدو من جهة ولتقليل الخسائر المحتملة للوحدات من جهة أخرى، وهو جهد لا يمكن أن يكون ناجحا إذا لم يتم التنسيق في مجاله مع الجهد الاستخباري والأمني الاستراتيجي للدولة وكذلك مع الجهد الفني المتاح في مجال الرصد والمراقبة والاستطلاع، وهو نجاح عند تأمينه سيوفر فرص لزيادة ثقة المقاتلين بأنفسهم وثقة الجمهور المحلي بمقاتليهم التي تسهم جميعا في الأسراع في أنهاء القتال لصالح الدولة وقواتها المسلحة.
الخاتمة
1. إن ما يحدث في العراق من قتال بالضد من الأرهاب حتى السنة الخامسة لما بعد التغيير، ليس قياسيا لأن ظروف التحول وإعادة البناء لم تكن طبيعية، وقواته التي شكلت حديثا لم تكن جاهزيتها كاملة، والقيادة والسيطرة لم تكن مملوكة للدولة العراقية وقيادتها العسكرية، مما يتوجب الأعتراف بصعوبة أعداد القوات المسلحة في هذه الظروف الصعبة .
2. إن الصعوبة وحصول بعض الأخطاء والإعاقات في عملية الأعداد والتأهيل تعطي العامل النفسي أهمية متميزة في مجالها سواء ما يتعلق منه بالأختيار الصحيح للضباط القادة والأعوان أو في مجال تأهيلهم النفسي خلال مراحل التدريب وقبل تنفيذ العمليات القتالية وما بعدها، إذا ما أخذنا بنظر الأعتبار أن الكثير من الشوائب النفسية مثل الأنفعالات السلبية، وعدم الرضا، والقلق، والأصابات النفسية عادة ما تصاحب المعارك التي تجري الميدان.
3. الإرهاب آفة يمكن ان تنتشر سريعا في المجتمع إذا لم تتحسب الدولة جيدا لموضوعه، وأنتشاره السريع يزيد من مصاعب القتال لأن ساحته ستكون متداخلة ومتشعبة يصعب فيها الفرز والتشخيص، وهذه حقائق تلزم القيادة العسكرية والسياسية بأن تعمل سوية لتوثيق الصلة بين عسكرها ومواطنيها، وتتتعاون معا في مجال التعبئة النفسية وحشد التاييد والدعم الجماهيري لقواتها المسلحة، والأهم منها جميعا تقوية هذه القوات وأعلاء شأنها وطنيا لتكون الدرع الواقي من الأرهاب، والراداع القوي للحيلولة دون تفشيه في البلاد.
المصادر
1. لويس كاما مليكة (1965) قرارات في علم النفس الاجتماعي في البلاد العربية، القاهرة.
2. مختار التهامي ( 1967) الراي العام والحرب النفسية، دار المعارف بمصر، القاهرة.
3. الدباغ، فخري وعبد الفتاح، قيس (1986) علم النفس العسكري، جامعة بغداد، بغداد.
4. ميلوش ماركو (1973) الحرب النفسية ، ترجمة لبيب لهيطة، دار الثقافة الجديدة، القاهرة.
5. مديرية البحوث والخدمات النفسية (العمل النفسي الميداني العدد 3) 1989، وزارة الدفاع، بغداد.
6. مديرية الأستخبارات العسكرية العامة ( علم النفس والاستخبارات) (ب ، ت)، شعبة الاستخبارت النفسية، بغداد.