عــــــــام
1. يصنف الباحثون في علم النفس والطب النفسي الشخصية إلى عدة أنواع، مستندين في رأيهم هذا على دراسات وملاحظات عديدة تمكنوا من خلالها وصف كل بعد أو خاصية من خصائصها. كما تشير ملاحظات الأطباء النفسيين وعلماء الشخصية أو دراساتهم بان تصنيف الشخصية يرتبط بعدة أمراض كالقلب والقرحة بالنسبة لنمطي B.A الذي يتصف عادة:
أ. بالضغط والشد المفرط.
ب. المكافحة الشديدة من اجل التحصيل.
ج. الكلام السريع وقلة الصبر، وتعجل كلام الآخرين حتى لا يكاد المقابل أن يبدأ الحديث حتى يتلقفه ويكمل الجملة.
د. يكون فخورا كونه يستطيع انجاز الأشياء في وقت قصير قياسا بالآخرين.
2. أما الشخص من النمط B فتجده من وجهة نظرهم على العكس من ذلك يتمتع بإسترخاء وهدوء أكثر، واهم ما يتصف به:
أ. اقل مبالاة بالمواعيد.
ب. لا يميل إلى المناقشة بشدة .
ج. مصغ ومستمع جيد.
د. لا يشعر بالعجلة حتى تحت الضغوط الصعبة .
هـ. صبور عند الانتظار.
و. يخصص وقتا محدداً لعمل معين .
ز. هادئ ومتأن في كلامه.
ح. يهتم برضا نفسه بغض النظر عن رضا الآخرين .
ط. بطيء في أعماله وأفعاله.
ي. مرن .
ك. مقتنع بعمله.
3. هذا وتؤكد الدراسات إلى إن الأفراد الذين تميل شخصيتهم إلى نمط A هم أكثر احتمالا للإصابة بإمراض القلب من أولئك الشخصيات من النمط B حيث وجد أن من بين 257 شخصا تعرضوا للإصابة بنوبات قلبية كان 178 منهم من النمط A بينما كان 79 منهم من النمط B ودعا ذلك إلى التفكير بإيجاد برامج عديدة لتدريب الأفراد على التحول من النمط A إلى النمط B بهدف تقليل احتمالات الإصابة بنوبات قلبية .
وأشير في دراسة أخرى إلى أن الشخص من النمط A يتأثر بضغط انقباض الدم أكثر من النمطB وانه اقل تأثيرا بالضغوط النفسية التي تهدد لديه قوة الذات مع ذلك فان الفصل بين النمطين لأغراض التميز لابد أن يتم من خلال مقارنة النمطين فيما بينهما (1).
4. يعتبر الدور الذي يؤديه الفرد في مكان العمل الوظيفي أو المؤسسة العسكرية من مصادر الضغوط النفسية حيث قام الباحثون بالعديد من البحوث في مجالين مهمين يتعلقان بالدور وهما:
أ. غموض الدور.
يعتبر غموض الدور قائماً عندما لا يمتلك الفرد معلومات ملائمة أو يمتلكها بشكل غير كاف عن دوره في العمل أو عندما يكون هناك نقص في الوضوح حول أهداف عمله والتي لها علاقة مباشرة بدوره وبادوار زملائه وتوقعاته عن دوره وما يحمله الآخرون من توقع نحوه، وهذه تكون واضحة في الأدوار التي ينفذها العسكريون في الحروب على وجه الخصوص عندما يعتقد بعض القادة أن الوقت غير مناسب لتزويد منتسبيهم بالتفاصيل ذات العلاقة بالمهام التي ينفذونها، وأدوارهم في التنفيذ لقناعة لديهم أن طبيعة العمل والضبط العسكري تقتضي التنفيذ تحت كل الظروف، وفي جميع الأوقات(2).
كذلك تظهر واضحة في سياقات الإدارة الديكتاتورية التي يستهين فيها القائد / المدير / المسؤول بعقول التابعين والمنتسبين، ويفترض حتمية تنفيذهم للأدوار التي يحددها دون نقاش(3).
كما إن مجال عمل الفرد، وما تسند إليه من مسؤوليات تشكل عاملا مهما يزيد من احتمالات غموض الدور أو تقليله، وإن ارتبطت بعلاقة طردية مع عامل عدم أمتلاك المعلومات المناسبة المذكور في أعلاه، ويقصد بها هنا أن بعض الأعمال التي تقتضي السرية وعدم تزويد المنفذين بالتفاصيل، مثل المهام الأمنية والأستخبارية، وبعضها البحثية ذات الصلة بالذرة، وبعض أسلحة التدمير الشامل وغيرها تفضي بالنتيجة إلى غموض الدور.
وعموما فإن الشخص الذي يشعر بغموض الدور يعاني عادة من واحدة أو أكثر من الآتي:
أولا . انخفاض الرضا عن العمل.
ثانيا. الإحساس بعدم جدوى العمل.
ثالثا. قله ثقته بنفسه.
رابعا. الشعور بان عمله مصدر تهديد له.
وهذه معاناة تؤشر أن لغموض الدور تأثير نفسي على صحة الفرد الجسمية، فتسبب في أحيان ليست قليلة أرتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب، والاضطرابات النفسية مثل الكآبة، وانخفاض الدافعية، في الأداء والميل إلى الابتعاد عن العمل.
ب. صراع الدور
يمكن القول بان الفرد يعاني من صراع الدور إذا كان يعيش:
أولا. وسط مطالب العمل المتصارعة أو المتعارضة.
ثانيا. عندما يمارس أعمال لا يرغبها.
ثالثا. عند شعوره بان ما يقوم به ليس جزء من مواصفات عمله.
هذا وإن أبرز حالة لصراع الدور عندما تتجاذب الفرد مجموعتين من التوجهات في الإدارة تلزمان أنماط متباينة من السلوك (4).
وفي هذا المجال أشارت الدراسات إلى إن الفرد الذي يعاني من صراع الدور يعاني من انخفاض رضاه عن عمله، وإحساسه بان العمل يشكل عبئا عليه.
كما وجدت الدراسات انه كلما قويت سلطة الأفراد الذين يكونون مصدر صراع الدور فان وجودهم يؤدي إلى عدم رضا معيتهم عن أعمالهم وعن مهنتهم.
وكذلك فان المهنة التي تتضمن نشاطا جسميا أكثر يتعرض أفرادها إلى أعراض أمراض القلب بنسب أكبر في حال وجود صراع الدور في محيطها.
المسؤولية
5. هناك نوعان من المسؤولية:
أولهما المسؤولية عن الأفراد، إذ وعندما يكون الفرد مديرا لدائرة معينة أو آمرا لوحدة عسكرية، وبأي مستوى كان، فانه مسؤول عن أفراد.
وثانيهما المسؤولية عن الأشياء، حينما يكون أحدهم مدير مذخر أو مخزن أو صيدلية فانه مسؤول عن أشياء.
وقد يكون الفرد مسؤولا عن أفراد وأشياء في آن واحد كآمر وحدة عسكرية، ومدير مذخر طبي وغيرهم، وفي حالتهم يمكن القول أن المسؤول عن الأفراد يكون أكثر احتمالا للتعرض إلى الضغوط من المسؤول عن الأشياء لأنه يحتاج إلى قضاء وقت اكبر للتفاعل مع الأفراد الموجودين، والتابعين أي المسؤول عنهم، ولهذا يتلقى ضغوطا مختلفة من كل فرد أو مجموعة أفراد، كما إن ذلك يستلزم منه إجراء لقاءات أكثر، وجدولة أعماله وفق زمن محدود حيث أن ذلك يشكل بحد ذاته ضغوطا خاصة عندما يكون الوقت قصير نسبيا.
هذا وبشكل عام يكون الأشخاص المسؤولون عن الأفراد أكثر احتمالا للتعرض لأمراض القلب من أقرانهم المسؤولين عن الأشياء.
علاقات العمل
6. تعتبر طبيعة العلاقات بين الأفراد ضمن العمل، المصدر الآخر المهم للضغوط، وهي طبيعة تشمل سبل التعامل مع المدير، والآمر، والزملاء، والأشخاص الذين يكون الفرد مسؤولا عنهم، وفي مجالها يمكن القول أنه وكلما كانت العلاقات رديئة كلما زاد احتمال تعرض الأفراد إلى الضغوط .
التعامل مع الضغوط النفسية
7. هناك العديد من الاتجاهات التي حددت أساليب متعددة للتعامل مع الضغوط، وبما إن الورقة الحالية تناولت الأنماط فيمكن أن تقوم بعض الأفكار التي تدرج على سبيل التعامل على وفق هذا التقسيم، وفيه يشير المعنيون إلى أن من تتضح شخصيته من النمط A عليه أن يتبع النصائح التالية لتخفيف اثر الضغوط النفسية:
أ. منع الرغبات في أن تكون مركزا لاهتمام الآخرين من خلال اللجوء إلى الحديث المستمر، ومحاولة عدم الإصغاء إلى الآخرين.
ولتجاوز هذا الإنحراف يمكن لأي فرد راغب التدريب على ذلك خاصة في أيام العطل إذ يمكن أن يخصص عدة ساعات يصغي خلالها إلى محادثة تجري بين الآخرين وان لا يتحدث إلى أن ينهي الآخرين جملهم.
ب. السيطرة على النفس، إذا وجد المعني أن هناك ميل مستمر للحديث حتى وان لم تكن هناك حاجة لذلك، ينبغي أن يوجه الأسئلة الآتية إلى ذاته:
أولا. هل هناك شيئا مهما لأقوله؟
ثانيا. هل هناك من أحد يرغب سماع ما أريد أن أقوله؟
ثالثا. هل هذا هو الوقت المناسب للقول؟
وإذا كان الجواب على أي من تلك الأسئلة بالنفي عليه أن يبقى هادئا حتى وان وجد رغبة ملحة في الحديث .
ج. المحاولة في عدم جعل الوقت يسيطر على الحياة، ويتحكم بها(أي يكون تحت ضغط الوقت) وممكن أن يتغير مثل هذا النمط في السلوك من خلال المثال التالي، الذي يمكن الاستفادة منه في المواقف الأخرى .
حينما يجد أحد في نفسه رغبة لزيادة سرعة سيارته، ومحاولة العبور على الضوء الأصفر في تقاطع لإحدى الطرق عليه أن يعاقب نفسه على هذا السلوك، وذلك بالعودة ثانية إلى نفس الاتجاه ونفس الإشارة، وإذا ما تكررت الحالة ثانية عليه أن يستدير أيضا ويرجع إلى نفس المكان، هذا وإذا ما أتبع هذا المسلك على الأغلب سوف لن يفعلها ثالثة.
كما أن على المعني أتخاذ كل التدابير لكي لا يجعل نفسه أمام ضغوط الوقت، ويمكنه الاستفادة من هذه الحالة والتجربة في مواقف الحياة المتعددة لتجاوز ضغط الوقت.
د. إجراء تقييم اسبوعي لما يحصل من ضغوط، بعبارة أخرى أن يحاول تشخيص المشكلات التي كانت سببا مساعدا للمعاناة، وهل إن الأحداث التي مرت خلاله قد أمتازت بهيمنة الوقت على الحياة.
هـ. ويمكن التدرب على الاسترخاء البدني اليومي بإتباع التمارين التالية:
أولا. الجلوس بهدوء وبوضع مريح.
ثانيا. البدء بإرخاء عضلات الجسم تدريجيا بدء من الأقدام، والتدرج إلى الوجه، وترك كل العضلات مسترخية لفترة أطول.
ثالثا. التنفس من الأنف، والتفكير بالنفس حتى الشعور بالراحة، ويمكن ذكر رقم معين بعد كل زفير.
رابعا. الاستمرار في ذلك لعشر أو عشرين دقيقة، ومن ثم الجلوس بهدوء بعد الانتهاء لبضعة دقائق مع إبقاء العينان مغلقتان ثم يجري فتحها تدريجيا، مع عدم الوقوف وممارسة النشاط الفوري.
و. إذا ما أريد ممارسة عملية الاسترخاء الذهني فيمكن إتباع الآتي لمدة 5- 10 دقيقة في اليوم الواحد، خاصة في اليوم الذي يمارس فيه عملا ذهنيا شاقا:
أولا. اختيار مقعدا مريحا، وأخذ وضعا مناسبا.
ثانيا. غلق العينين واستعادة ذكرى مكان كان فيه من قبل، بعده المكان المثالي للراحة والهدوء والاسترخاء الجسمي والعقلي، وإذا لم يجد في الذاكرة مثل هذا المكان يمكن أبتداع واحد من وحي الخيال أو من مشاهدة الصور أو التلفزيون.
ثالثا. الشعور بالأمان والهدوء وتخيل الجسم، والعقل قد تجدد نشاطهما ثم الشعور بالانتعاش.
رابعا. فتح العينين بعد عشرة دقائق بهدوء ومن ثم ممارسة العمل الطبيعي من جديد.
ز. محاولة البحث عن الدعم الاجتماعي عند الشعور بوجود ضغوط نفسية. ويتمثل ذلك بالبحث عن العلاقات الاجتماعية الحميمة التي تسهم كثيرا في تخفيف الضغوط، لأن وجود الغير يسهم في التزويد ببعض الأسس لحل المشاكل، وإشباع الحاجة إلى الإصغاء، هذا وتعتبر العائلة إلى جانب الأصدقاء وزملاء العمل بمثابة نظام للدعم الاجتماعي الذي يسهم في التخفيف من الضغوط، وعلى المرء أن يحاول تحسين علاقاته بعائلته لتكون مرجعا في الإسهام في ذلك، وحل المشكلات والتنفيس عن الهموم.
ح. محاولة تفهم أن اغلب الأعمال لا تحتاج إلى فعل فوري.
وإن أكثر ما تحتاجه هو الإنتاج النوعي.
وان السلوك اليومي ينبغي أن يكون وفق حاجة حقيقية، وليس مجرد إرضاء الآخرين والمحافظة على العلاقات مع الناس.
كما أن على المعني إخبار نفسه مرة واحدة في اليوم على الأقل بعدم وجود مشروع فشل بالمطلق بسبب البطء في انجازه فقط، كما عليه أن يسال نفسه هل إن الحكم الجيد، والقرار الصحيح يتخذ بشكل أفضل تحت ظروف التأني؟
ط. أن تكون للفرد أنشطة مضافة خارج عمله، مثل القراءة لمن يمارس عملا بدنيا، والرياضة أو الموسيقى لمن يمارس عملا فكريا، وتلك أمور تسهم في السيطرة والضبط لمن يصنف بالنمط A للشخصية.
ي. محاولة عدم وضع وقت محدود للأمور غير المهمة، وعدم إعطاء مواعيد للآخرين بشكل قطعي ومحدود بزمن يعيش تحت ضغطه خاصة بالنسبة للأمور غير المهمة.
ك. حماية النفس من ضغط الوقت من خلال تعلم قول لا للأشياء غير المهمة.
ل. محاولة التخلص من الضغوط أو التحرر منها ولو لفترة محددة، وذلك بوضع فترات بين العمل الجاد قدر الإمكان، مثل القراءة أو السماع أو المشي أو التحدث مع أحد ما.
م. محاولة إيجاد فرص للاسترخاء في النهار أو الليل يتم خلالها الاسترخاء للبدن، والعقل.
الخاتمة
8. يتعرض الجميع إلى الضغوط النفسية مهما كانت مستوياتهم أو انتماءاتهم، ولنمط الشخصية اثر في تحمل التعامل مع تلك الضغوط، عليه ينبغي التفكير أولا بأي نمط من الأنماط شخصية المعنى، ثم يخطو من بعد ذلك الخطوة الثانية التي تتمثل بكيفية التعامل مع تلك الضغوط، ويكمن الاستفادة من عمليات الاسترخاء سواء منها البدني أو الذهني بالنسبة لأفراد القوات المسلحة، وخاصة القادة والآمرين إذ يستطيعون أن يدربوا أنفسهم ذاتيا على ذلك "أي الاسترخاء" وخاصة بعد إجهاد المعارك أو السهر، والتعب البدني ليحصلوا على استعداد وقدرات إضافية وبأسرع وقت ممكن.
المصادر
1. مديرية البحوث والخدمات النفسية، العمل النفسي الميداني، العدد 1، 1988، بغداد
2. العبيدي ، سعد ( 1990 ) الحرب النفسية في الميدان ، بحث غير منشور.
3. صبري، يوسف (1966) أتخاذ القرارات وعلاقتها بسمات الشخصية، القاهرة. جامعة القاهرة ( رسالة ما جستير غير منشورة).
4. مخيمر، صلاح (1975) مقدمة في الصحة النفسية. القاهرة: الأنجلو المصرية.
آب 2007