يمكننا القول دون ما تردد أن الطائرات الأمريكية البريطانية التي تجوب الأجواء العراقية شمال وجنوب خطي العرض 36، و33 بحجة الحماية الدولية عمل فيه تجني على قطرنا العراقي العزيز، لأنها في واقع الحال لم تستخدم لذلك الغرض منذ بدأت التحليق بعد العام 1991 وحتى يومنا هذا، وإنما استخدمت لأغراض جمع وتدقيق الاستخبارات الفنية من خلال العمليات المستمرة للرصد، والتصوير والمتابعة الإلكترونية.
وبالمقابل يمكننا القول أن عمليات الرد عليها من قبل الدفاعات الجوية، وإعطائها المبرر لضرب تلك الدفاعات، وتدميرها فيه تجني أيضا على القدرات الدفاعية ، لأن منطق الحشد يلزم العسكر بضرورة الاحتفاظ بها قدرة فاعلة حتى اليوم الأول للحرب التي بات وقوعا وشيكا حيث الحاجة الأهم لها يوم ذاك.
إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن القبول بالقرار 1441 وتنفيذه بالشكل الجاري قد سمح بعمليات أوسع للرصد والتدقيق الخاصة بالاستخبارات، لا تتوقف مساعيها عند حدود الوسائل الفنية فقط، بل وتزيد عنها كثيرا لتشمل الوسائل البشرية المباشرة، مما يجعل الاستخدام الحالي لوسائل دفاعاتنا الجوية وبهذه الطريقة البدائية بالمقارنة مع ما تمتلكه تلك الطائرات من تقنيات متقدمة تبذير لا مبرر لـه سواء كان بقصد الحيلولة دون عمليات جمع الاستخبارات كما أشرنا آنفا أو كان بقصد الحماية اللازمة للسيادة الوطنية كما يدعي البعض في بياناته الرسمية.
لأن السيادة الوطنية قد خرقت تماما يوم حل المفتشين على أرض العراق وبينهم كثير من العملاء الرسميين للاستخبارات الغربية .
كما أن السيادة خرقت بشكل أوسع يوم طلب من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن ترسل أفرادها للعمل مع المفتشين الدوليين مع نهاية الشهر الأول للتفتيش.
إن تلك الخروق تبطل أية حجة يمكن الركون إليها كمبرر للرد على الطائرات المذكورة .
وبدلا عن هذا التوجه الذي يدمر القدرة العسكرية الدفاعية بشكل تدريجي، ويعطي الفرصة للدولة الأعظم أن تسجل النقاط في العقل الغربي، والعربي لصالح توجهاتها في الحرب، وأن تتحرك بسهولة أكبر لكسب الرأي العام العالمي لصالح شنها الذي يتأسس في معظمه على دعوى خرق العراق لقرار الأمم المتحدة المذكور.
إننا نرى بدلا عن الرد الجاري حاليا ضرورة التوقف عنه، لعدم تمكنه من إيقاف عمل تلك الطائرات المذكورة، وعدم قدرته على تكبيد الأمريكان سوى طائرتين بدون طيار يمكن أن تتحطما بظروف طيران طبيعية وهي خسارة لا يمكن أن تكون رادعة بأي حال من الأحوال .
ونرى بعد المتابعة المتواصلة لهذا الملف المثير والحيوي أن التوقف هو الأصوب .
وأن حشد القوة كأحد مبادئ الحرب ينبغي الأخذ به والسعي للمحافظة عليه قبل فوات الأوان.
لندن: 6/2/2003