يلتقي صدام الضباط القادة ممن يشغلون مناصب عسكرية ميدانية نزولا إلى آمر وحدة، بشكل دوري، يسمع منهم ما يريد أن يسمعه، مدح وتعظيم، وإشادة بالعبقرية غير الطبيعية، ويسمعهم كلاما عن التدريب والتعبئة وبناء المعنويات، لا يريد معظمهم سماعه لأنه مخل بالحياء العسكري، ومع ذلك فإن البعض منهم يعود إلى وحدته مارا بعائلته منتشيا يتذكر فقط مقدار المال الذي تسلمه مكرمة عند مغادرته حضرة الرئيس، شاكرا الباري عز وجل في نفس الوقت أن المقابلة قد انتهت دون خطأ يكلفه الحياة.
إن مشكلة عسكرنا اليوم لا تتعلق بالنشوة التي تكونها المكرمة، لأنها مسألة طبيعية بالنسبة إلى كثير من بني البشر، إلا أنها تتصل بطريقة التعامل غير الصحيح لبعض أولئك المنتشين مع مرؤ سيهم من الضباط وضباط الصف والجنود، إذ أن الملاحظ على سلوكهم نوعا من الهياج والقسوة يحاول أن يثبتوا من خلالها أنهم ينفذون بدقة توجيهات القائد.
وهو هياج لا يمكن تبرير المغالاة والتطرف في مجاله، ولا يمكن فهم أوامر تحميل العسكريين أكثر من طاقتهم على التحمل بعد أن يحاول قسم من أولئك المنتشين على سبيل المثال بمضاعفة ساعات التدريب وزيادة فعاليات الحيطة والحذر، والتفتيش عن تقديم مبادرات على حساب الأصول والتقاليد العسكرية التي لا يقصد منها تقوية القدرات بقدر ما تكون استعراض يود أن يخبر به قادته من أنه ينفذ توجيهات القائد العام للقوات المسلحة رئيس الجمهورية.
هذا ولم يتعلق أمر تلك المغالاة والاستعراضية بالآمرين العائدين من مقابلات صدام فقط، إذ يتوجه قسم آخر إلى ذات الأساليب قبل ذهابه إليه بقصد تكوين وقائع يستطيع أن يتكلم عنها في حضرته يوم المقابلة، وكأنه ينتظرها أسلوب عرض يثير صدام فيتقي شره من ناحية، ويحصل على أعلى مكافئة من ناحية ثانية.
وهذه وقائع جعلت الضباط الأعوان والمراتب بشكل عام في وضع الاستغراب من تصرفات بعض آمريهم غير المعقولة بعد أن تجاوزت حدود العسكرية خاصة وإنهم كمرؤوسين يؤدون واجباتهم وينفذون توجيهات الحيطة والحذر، ويمارسون فقرات التدريب واللياقة أصوليا.
كما إن تلك التصرفات دفعت ضباط عديدين إلى التساؤل عن دوافع إصابة آمريهم بتلك الهستيريا لكسب ود الرئيس، وهم يدركون جيدا أنه بات مطوقا لا خيار أمامه إلا التسليم أو الموت.
ويفهمون حقا أن بموته سيعود الجيش العراقي إلى سابق عهده، وسيلتقون ثانية للنقاش دون رقابة من أجهزة الأمن والاستخبارات، وسيشيرون بأصابع الاتهام لمن كان يغالي طمعا وانتهازية، ويؤدون التحية لضباط آخرين كانوا ينفذون فقط الأوامر العسكرية دون تزويق، وقد يختمون مناقشاتهم بحسرة على من لم يفهم الحقيقة قبل فوات الأوان.
لندن: 7/3/2003