كلما ضاق الخناق على صدام حسين، وقاربت الحرب من بداياتها على أرض الرافدين، يتسارع من له علاقة بالعراق أو به شخصيا إلى طرح أفكاره ومشاريعه عن السلام، بصيغ وأشكال تطالبه بعضها بالتنحي والإبقاء على هيكل النظام، وتريد منه أخرى الاختفاء عن الساحة دونما شروط، وتطمئنه ثالثة بضمانات دوليه له ولعائلته لأن يعيشوا بأمان داخل العراق أو في دولة أخرى خارجه.
لقد بدأها الشيخ زايد بن سلطان بمبادرته المعروفة إلى مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ، طالب فيها علنا بالتنحي، والقبول بالأمر الواقع في حصول الضمانات الدولية، أعقبها الإيرانيون بمشروع ثان رغم أن النظر إلى نتائجه على المدى المستقبلي يوحي بأنها لا تختلف كثيرا عن النتائج التي تؤدي إليها مبادرة الشيخ زايد، وقوامهما التخلص منه حاكما مثيرا للتوتر والاضطراب في المنطقة غير المستقرة، بعدما تيقنوا عربا ومسلمون أن أمر بقاءه ميئوس منه.
وأن ذهابه بالقوة "أي الحرب" سيؤدي إلى واقع فيه النتائج الجانبية أكثر خطرا على استقرارهم السياسي من قبوله التنحي طوعيا.
أن صدام الذي يحاول التلاعب بالوقت، والمراهنة على مفاجئات الساعة الأخيرة، لم يقتنع حتى هذه اللحظة أن الحلفاء الطرف الأقوى في الحرب جادين في موضوع تنحيته من على كرسي الحكم بالقوة، أو بدونها وإنها مسألة باتت محسومة، ولم يفهم أن غير المحسوم حتى الآن ذلك الذي يتعلق بعدد الشخصيات المطلوب القبض عليها في أثناء المواجهة العسكرية أو في مراسم التنحي سلميا، ويتعلق أيضا بعدد المطلوب إحالتهم إلى المحاكم الدولية مجرمي حرب من قيادي الحزب والدولة، رغم أن هذه جميعا لا تحتاج إلى عناء في حسمها، لأنها تعتمد أساسا على تطورات الموقف، وأسلوب قتال القريبين من صدام، ومدى تنفيذهم لأوامره في استخدام الأسلحة المحظورة، وإيذاء المدنيين العراقيين خلال المعارك وأثناء عملية التغيير.
إن صدام الذي يمر بفترة حرجة لم يمر بمثلها طيلة حياته السياسية، وحروبه العسكرية حيث تضيق السبل، وتكثر معالم الحيرة وتزداد مصاعب اتخاذ القرار.
إن الحرب تعني زوال حتمي ونهاية بائسة، والقبول بمشاريع العرب والغربيين في التنحي، يفضي إلى مغادرة السلطة قهرا بعد العيش في صورة الإمبراطور كل هذه السنيين.
إنها حيرة أفقدته القدرة على التفكير العقلاني، ووضعته في حال الانفعال شبه المستمر حيث الامتناع عن سماع مقترح حول موضوع التنحي تارة، تعقبه تسريبات بقبول مناقشتها تارة أخرى.
وستبقيه هكذا قلقا، مهموما، مرعوبا، إلا إذا حَكمّ عقله وقبل ما يريده العالم تنحيا وباقي قادة حزبه عن الحكم قبل فوات الأوان.
لندن: 5/3/2003