يتجاذب أعضاء مجلس الأمن الشد والجذب في موضوع العراق، ويعتبرون أزمته من أكثر الأزمات خطورة على الأمن والسلم العالميين، ويسيرون أبعد من ذلك عندما يشيرون إن هذه الأزمة قد تؤدي إلى تصدع العلاقة في مجلس الأمن.
ومن جهتها تسير أمريكا في ذات الطريق لمعاقبة صدام على أفعاله أو محاولاته أنتاج، واستخدام أسلحة التدمير الشامل ودعمه الإرهاب، وقد حشدت مع حلفائها ما يقارب الثلاثمائة ألف شخص مستعدين لبدأ الهجوم بين ساعة وأخرى في هذه الأيام، والعراقيون من جانبهم يعيشون حالة قلق وتوتر، لا يعرفون ماذا يخبئ صدام لهم في حال المواجهة العسكرية مع الحلفاء، وهو الذي يتوعد دائما بتسليم أرض العراق حرثا.
كل هذه الأحداث التي تحيط بالعراق وبصدام شخصيا، وباستعدادات الحلفاء وبمشاعر الخوف والقلق لدى العراقيين، لم تثن عزة الدوري عن استقبال لجنة الإعداد لاحتفالات عيد ميلاد الرئيس، وإعلانه المهين لمشاعر العراقيين من أنه يفتخر باستقبالهم وإعطاء هذه المناسبة ما تستحق من قيمة تناسب القائد.
إن من يطلع على هذه التصرفات من غير العراقيين يضع نفسه في موقف الحيرة، إذ لم يسبق لزعيم وقائد في العالم أن أحتفل بأعياد ومناسبات وشعبه يتعرض لأزمة نتائجها غير محمودة، لكن العراقيين عندما يطلعون على مثل هكذا تصرفات من قبل عزة وصدام، لم يفاجئوا لأنهم يعرفون جيدا أن صدام قد وضع نفسه في الخانة العليا، وأبقاهم في خانة أخرى تقل مرتبة.
وتصرفه اليوم ليس هو الأول إذ سبق وأن بدد الملايين على أعياد ميلاده وهم يتضورون جوعا.
إن حبه لنفسه أو نرجسيته العالية تدفعه اليوم إلى التمتع بالاحتفالات وهم يئنون من شدة الخوف على أطفالهم وأموالهم، لذا تلقوا الأمر بصيغة لم تحمل الاستغراب كما هي عند الأجانب، لأنهم واثقون أن لا أحد يستطيع ثنيه عن التمتع بالجلوس على منصة عالية، يشهد من فوقها أطفال يغنون، وشباب يرقصون، وحزبيون يمدحون.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن عزة أعتاد التكرار كل سنة أنه سيقيم احتفالا بمناسبة عيد ميلاد سيده يختلف عن الذي سبقه لأن المرحلة تتطلب ذلك والمناسبة تستحق التبجيل والاحترام، واليوم يعاود ذات الحديث، فيخطط ويشد على أيدي اللجنة على أن يقيموا احتفالا ليس مثل غيره من الاحتفالات، دون أن يأخذ بالاعتبار أن العراقيين يتندرون فيما بينهم على أن صدام سوف لن يشهد احتفالا بعيد ميلاده القادم، لأنه سيكون قد أنتهي في المواجهة المرتقبة مع الحلفاء أو في سجن خارج العراق ينتظر المحاكمة كأكبر مجرم حرب عبر التاريخ، ومع ذلك بقي قسم من العراقيين يسألون ألم يحن الوقت بالنسبة إلى صدام أن يتوقف عن هذه الاستعراضات المهينة قبل فوات الأوان.
لندن: 10/3/2003