بغداد ـ عدنان شيرخان ـ فيصل عبدالله:
قال الناطق الرسمي بأسم حركة الأئتلاف الوطني الديمقراطي العراقي الدكتور سعد العبيدي أن عدم وجود برامج أنتخابية تطرحها الاحزاب والشخصيات المرشحة ، سيؤدي الى أن يتأثر الناخب العراقي بعوامل أخرى كالأنتماء الطائفي والقومي . ورأى أن المواقف المضادة من الانتخابات قبل حدوثها تأتي من الخوف من تعزيز خسارة موجودة لدى البعض من الوضع الجديد ، وأضاف بينما نجد جماعات أخرى تصر على أجراء الانتخابات لأنها تعزز مكاسب لها ، وأعتبر الدكتور سعد أن الأنتخابات من المعايير الصحيحة لمعرفة الوزن الحقيقي لكل الفرقاء . وأكد على أن أجراء الانتخابات هي الخطوة الصحيحة بغض النظر عن نتائجها ، وهي التجربة الاولى للشعب العراقي ، فيجب تقبلها بأي ثمن . وعن تداعيات الوضع الامني على الانتخابات ، قال الدكتور سعد بالأمكان وضع مبدأي الفائدة والخسارة لأجرائها من عدمه ، ورأى أن أجراء الانتخابات وتحت أية ظروف هي أقل ضررا على العراق من عدم أجرائها . وعن أحتمال استتباب الامن بعد الأنتخابات ، توقع أن يعتمد ذلك على الانتخابات نفسها ونتائجها ، وعلى شكل الحكومة الجديدة التي ستؤلف بعد الانتخابات.
المهم أجراء الأنتخابات
* ما هي المؤثرات والعوامل التي من المتوقع أن تؤثر على الناخب العراقي ؟
ـ اذا تم تناول الموضوع بشكل دقيق وموضوعي ، نرى أن المجتمع العراقي يختلف عن باقي المجتمعات التي تمتلك خبرة في عملية الأنتخابات ، ومعرفة للمبادئ الديمقراطية ، ففي المجتمعات الأوروبية مثلا يتأثر الجمهور بالبرامج الانتخابية والرؤى التي تقدمها الأحزاب أو الشخصيات المرشحة ، أما في العراق وفي هذه المرحلة التي نعيشها لا نجد أي تأثير لهذا الموضوع ، ولا وجود لبرامج أنتخابية محددة تطرحها الاحزاب ، نجد بدلا عن ذلك مؤثرات عديدة أخرى كالأنتماء القومي أو الطائفي أو السياسي . ولو تتبعنا هذا الموضوع نجد أن هناك من العراقيين من يفكر مسبقا بضرورة عدم الأشتراك في الأنتخابات المقبلة ، ويأتي هذا التفكير من توقع من سيأتي وسيحكم ؟! ، لأن هناك أحساسا لدى بعض العراقيين أن الأنتخابات ستعزز خسارة موجودة لديهم ( أصلا ) لشكل نظام الحكم ، فأتخذوا موقفا مضادا من الأنتخابات مسبقا وقبل حدوثها . وهناك جماعات أخرى لا تنادي فقط بالأنتخابات ، بل تقاتل من أجلها على المبدأ السابق نفسه ، لأن الأحساس بأن الأنتخابات ستعزز مكاسب لهم على الأرض ، ونرى أن الطائفية تؤثر على الأنتخابات كميل وتأثر ونتيجة . وتوجد أيضا (مع الأسف) في المجتمع العراقي المفاهيم الرجعية ، نجد أن للشيخ الفلاني أو العشيرة الفلانية رأي أو توجه بالأنتخابات أو بنتيجتها أكثر من أعطاء فسحة أو مجال لأختيار الشخص المناسب لتمثيل منطقة أو مجموعة ، ولذلك من الممكن أن نرى انفسنا أمام مرشحين غير اكفاء وغير قادرين على تمثيل مناطقهم . عندنا أيضا موضوع آخر يؤثر على الأنتخابات وهو الأنتماءات السياسية ، المجتمع العراقي لم يتطور وينضج بالمستوى الكامل ، لذلك سوف نتجزأ وننشطر ونتشظى بنتيجة الأنتخابات بقدر تجزئنا بالساحة السياسية ، فيوجد الآن اكثر من 300 حزب ويوجد 300 رأي ، حتما الميل الانتخابي ليس بالقدرة ولا بالأمكانية على أستيعاب كل هذه التوجهات السياسية ، فأعتقد أنه ليس بالأمكان التحدث عن مرحلة مثالية في المراحل الاولى للأنتخابات ، لأننا سنسعى ( كواقعيين) أن تكون الانتخابات كأداة وكنتيجة لمستوى الوسط على أقل تقدير ، ومع ذلك فأن الخطوة الاولى لن توصلنا الى مستوى الوسط ، ولكن اذا بدأنا وعقدنا العزم على أجراء الأنتخابات على أنها الخطوة الصحيحة بغض النظر عن نتائجها ، من الممكن أن نصل الى مستوى الوسط الذي نريده . ستوجد ثغرات في الأنتخابات ، وقد قلت أكثر من مرة ، سنجد شيخ عشيرة يسحب مسدسه ورئيس طائفة ينادي بالجامع ورئيس حزب يحاول أن يتدخل لصالح مرشحين بعينهم ، هذه هي التجربة الأولى فيجب أن نقبلها بأي ثمن ، المهم أن تعقد الأنتخابات.
أجراء الأنتخابات بكل مساوئها أقل ضررا على العراق من عدم أجرائها
* وماذا عن تأثيرات الوضع الأمني المتردي على أجراء الأنتخابات ؟
ـ أجراء الأنتخابات في ظل أجواء أمنية متردية مشكلة أخرى ، ولكن أعتقد أن بأمكاننا أن نضع في كفتي الميزان الفائدة أو الربح والخسارة من أجراء الانتخابات أو عدم أجرائها . وأنا كباحث أعتقد أن اجراء الانتخابات وتحت اية ظروف هي اقل ضررا على العراق من عدم أجرائها ، والسبب أن اجراءها بأحتمال نجاح 70 بالمئة أو 60 بالمئة أو حتى 50 بالمئة ، ستؤدي بنا الى تعلم طريقة واسلوب الأنتخابات ، أضافة الى أن هذه النسب ستوصل بقدرها من الأشخاص المناسبين الى سدة الحكم ، ولكن عدم أجراء الأنتخابات ستنتج ديكتاتورا جديدا ، وليس بالضرورة أن يكون شخصا واحدا كما جرت العادة ، بل من الممكن أن تؤول الديكتاتورية الى مجموعة من الأحزاب ، كما تسيطر مجموعة الأحزاب الستة على الحكم الان ، والتي ورثت الأستمرار بأدارة الدولة العراقية ، واذا أجلت الانتخابات ، فستستمر هذه الاحزاب الستة في ادارة الدولة ، فتعزز دورها ووجودها في الدولة فتظهر ديكتاتورية الجماعة . وهناك رأي مطروح بأن الاحزاب الستة المشار أليها ستدخل الانتخابات في قائمة واحدة ، تسمى ( قائمة الحكومة) ، مقابل الأحزاب الصغيرة ، ولا يمكن أعتباره ديكتاتورية ، وأنما يندرج ضمن محاولة هذه الأحزاب للأستمرار والفوز ، وهذا من حقها أن تنزل بقائمة واحدة ، الا أنه رغم التقييد الذي حدث بشكل الانتخابات ضمن القائمة الواحدة أو القائمة المغلقة ، توجد فرصة متاحة للأحزاب الصغيرة أن تتحالف فيما بينها قبل الأنتخابات ، لأن الانتخابات لا تؤسس على شكل برامج ، وانما تشكل على شكل رموز أو شخصيات ، فيتم توزيعها على عدة قوائم يمكن أن يشتت أصوات الناخبين ، وسنكون غير جازمين مسبقا أن القائمة الفلانية يمكن ان يكون أحتمال نجاحها أكثر من غيرها ، اذا أخذنا بنظر الأعتبارالاحصاءات التي ظهرت في الآونة الاخيرة تعطي للسياسة والاحزاب نسبة قليلة ( 4 بالمئة).
الأمور تقاس بالمنطق ، مع قولنا بأن الاحزاب الصغيرة من الممكن أن تحصل على نسبة من الاصوات اذا نزلت في قائمة واحدة ، ولكن لا يجب أن يفكر أي أمين عام لحزب صغير لا يتجاوز عدد أفراد حزبه 10 اشخاص أو 20 أن يصبح رئيسا للوزراء أو رئيسا الجمهورية ، لأن هذه المسألة مستحيلة الوقوع . يمكن تكوين كتلة مقاربة للكتلة الحكومية وحتى لو فازت الحكومة يمكن تشكيل كتلة معارضة وكمراقب للحكومة وتأسيس نوع من التوازن بين الكتلتين وهذا نوع من مفاهيم الديمقراطية.
علاقة الوضع الأمني بأجراء الانتخابات
* لطالما طالب العراقيون بتسلم الملف الامني ، ولكن اليوم وبعد تسلمهم هذا الملف بأشهر نرى تدهورا في الوضع الامني ، هل تعتقد أن أجراء الانتخابات سيساعد على تحسن الوضع الامني ؟
ـ أعتقد أن الفترة المتبقية على أجراء الانتخابات ستشهد تصاعدا في العمليات الارهابية ، لأن الذي يقاتل الحكومة والديمقراطية ويعمل ضد التغيير ، سيحشد كل جهوده في سبيل أعاقة الانتخابات وعدم تحقيقها ، لأنه قلق من أجرائها ومن تأثير نتائجها . ولكن السؤال : هل سيستتب الأمن بعد الأنتخابات ؟ هذا يعتمد على الانتخابات نفسها ونتائجها ، يعتمد على شكل الحكومة الجديدة التي ستؤلف بعد الانتخابات ؟ وهل أن الحكومة ستعمل على نفس طريقة مجلس الحكم والحكومة الحالية وفق مبدأ ( نحن أحزاب ستة أو عشرة) تقوم بتوزيع الوزارات والمناصب العليا في الدولة وفق مبدأ التوافق والتفاهم ( منا وزير ومنكم نائبه) ، ويصبح بالتالي الولاء للحزب بدلا أن يكون للعراق أو للدولة بمفهومها العام ، وسيؤثر هذا ايضا على الأداء العام للوزارات ، لأنه عندما يطلب من الحزب (س) ثلاثة مرشحين للوزارة الفلانية ، فأن الحزب سيرشح ثلاثة من كوادره المتقدمة ، وقد يكونون غير كفوءين للمنصب ( مهنيا وعلميا) ، وبعيدين عن الأختصاص المطلوب ، وتكون المسألة ملء فراغ وأخذ حصة . ولكن لو جرت الامور على أن العراق ومصلحته فوق كل شيء ، يمكن أن تقول كحزب ليس عندي مرشح في حزبي يستطيع أن يملء الموقع الفلاني كاحسن ما يمكن ، وبامكانكم أن تبحثوا في مناطق أخرى . ومعالجة الملف الامني جاءت متدنية للأسباب التي ذكرناها ، والتي تتعلق بالبحث عن أحسن الرجال المناسبين لملء مواقع المسؤولية بعيدا عن الاعتبارات الحزبية . العراق من أكثر الدول التي فيه رأسمال من رجال الامن متفوقين على نظرائهم في الدول العربية والأسلامية القريبة من العراق ، فقد صرف النظام السابق المليارات على رجال اصبحوا خبراء أمن في مجالات المتفجرات والتفخيخ والمراقبة والرصد والاغتيالات والتزوير، الا أنه بدلا من تحييدهم بعد سقوط النظام والأستفادة منهم أو من بعضهم على الأقل ، أنضم بعضهم وأعطى خبرته الى الخصم !!
وكان من مصلحة العراق وشعبه التعامل معهم مهنيا . لأننا بدأنا أمنيا من الصفر أو دونه ، ومن الأستحالة أن تستطيع ان تكون جهازا أمنيا من الصفر يستطيع أن يقارع عدوا شرسا في فترة زمنية مضغوطة للغاية ، وايران بعد سقوط الشاه عملت على ( تنقية) أجهزة الأمن السابقة وأسست أجهزة حديثة على بنى موجودة.
أسباب عدم بدء الحملات الانتخابية
* يلاحظ المراقب المتتبع للأنتخابات عدم بدء الحملة الانتخابية برغم اقتراب موعد الانتخابات ؟ فما هي الأسباب ؟
ـ هناك أحتمالان : الأول أن العديد من الاحزاب والقوى السياسية ترى في الوضع العراقي الحالي الكثير من المشاكل ، والنهايات السائبة ، وتنتظر أن تتدخل الحكومة مثلا أو الظروف لتشذيب هذه النهايات ، وهي تعتقد أن الانتخابات لا تقع وتنجح قبل أكتمال عملية التشذيب سواء عبر تسويات سلمية أو عسكرية . والأحتمال الثاني يتعلق بالوسوسة ، فقد تعودنا دائما في العراق أن يحصرونا في الأيام الاخيرة ، بينما الطرف الاخر المسيطر عنده المال وقد حشد الجهود ووضع القوائم والتحالفات وبدون علم أحد ، فلا يهمه متى يعلن عن بدء الحملة لأنه رتب أموره منذ أمد.
الأنتخابات معيار صحيح لمعرفة الوزن الحقيقي لكل فريق
* هل من الممكن تحليل ما يحدث الان في العراق بشأن أجراء الانتخابات وفق منظور نظرية الصراع المعروفة ؟
ـ بالتأكيد !! الصراع معلم من معالم الحياة ، وجد مع خلق الانسان ، فأول صراع كان بين أبني آدم عليه السلام ، ولازم الصراع تطور الأنسان القديم ، وأنتقل معه الى مراحل القبيلة بمفهومها البدائي ، ورسومات الأنسان القديم في الكهوف شاهد على أن الصراع كان من سمات الانسان القديم . ويمكن أستخدام مبدأ الصراع القائم على المجتمع العراقي ، نلاحظ أن في العراق كتلا وطوائف وقوميات كل منها يتحرك على ضوء هامش فهمه للصراع ، فقسم من الأغلبية يريد تعزيز ما تم تحصيله بعد التغيير الذي حصل من افرازات سياسة بريطانيا الأستعمارية بعد الحرب العالمية الاولى في المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص ، أعطاء الفرصة لحكم الأقليات وهو ما موجود في العراق ودول أخرى قريبة من العراق ، ولم يعمدوا مثلا على أن تحكم هذه الدول بالطريقة الديمقراطية وكما موجود عندهم في الغرب . ورافق حكم الأقليات الديكتاتوري سياسات القسر والظلم والأضطهاد . وكان العراق محكوما منذ عقود بشكل أحادي ، فلذلك رأت الطوائف والقوميات عملية التغيير كمتنفس ، وأدخلتها في دائرة الصراع ، فالبعض يتحرك من أجل تعزيز المكاسب التي سجلت لصالحه بعد عملية التغيير ، وسيقاتل من أجل الانتخابات ، وبالمقابل نجد الجماعات الاخرى لم تع جيدا دورها الجديد في الصراع ، ولم تع عملية تغيير الأوزان للطوائف التي أحدثها التغيير ، وهذا هو جوهر نظرية الصراع ، فعليها تكييف وضعها الحالي وفقا لوزنها الجديد في الواقع الجديد ، والأنتخابات هي أحد المعايير الصحيحة ليعرف كل فريق وزنه الحقيقي.