تتجه الأحزاب السياسية ويتجه قادتها إلى الفوز بأصوات الناخبين إعتقادا منهم بأحقية التمثيل، وبجماهيريتهم في ساحة العمل الديمقراطي القائم على التمثيل، ويسعون في توجههم هذا إلى أستخدام شتى الوسائل التي يسمح بها القانون لتحقيق ذلك، وهي بطبيعة الحال متعددة بينها الرموز الدينية التي حَرّمتْ غالبية الدساتير المشرعة في الدول الديمقراطية أستخدامها ليس لفرط حساسيتها في إثارة مشاعر الغير من الطوائف والأقوام فقط، بل وبسسب المعايير القيمية الرفيعة لحماية الرموز الدينية من حيل السياسة وأخطائها المتكررة، ولنا في العراق الديمقراطي الحديث أمثلة كثيرة في الأنتخابات التي جرت نهاية عام 2005 والتي تسابقت فيها أحزاب دينية عديدة للإيحاء بعلاقتها الفقهية بهذا الرمز "المرجع الديني" أو بذاك، وبتقليدها له والسير على نهجه في التشريع وأمور الحياة، وهذه مساع لو جاز لنا تحليل نتائجها في إطار السلب والإيجاب على العملية السياسية وعلى الجمهور الناخب والأهم منهما على الرمز الديني شخصيا، نجد وببساطة أن فوز أحد الأحزاب في أستخدام الرمز الديني (أ) على سبيل المثال سيدفع الحزب الآخر من نفس الطائفة إلى التوجه لأستخدام الرمز (ب) وهكذا إلى الثالث والرابع حتى تُجر العملية السياسية برمتها إلى ميدان صراع إجتهادي، يكون الخاسر الأكبر فيه الدين أو بالأحرى الطائفة التي جَزَأت أحزابها السياسية المُستغلة رموزها الدينية أو وزعتهم حصصا بينها في ميدان صراع قائم على كم رقمي يقدم هذا الحزب إلى سدة الحكم ويبعد ذاك، والتجزاة في هذه الحالة تعزز الفرقة والتشتت التي يسعى الغير إلى إبقائها ماثلة في المجتمع العراقي على وفق المبدأ السياسي المعروف (فرق تسد). كما إن الفوز الذي يحققه الحزب الذي أستأثر بالرمز الديني (أ) في مجتمع لم يع الديمقراطية ولم يتقبل نتائجها التقليدية في الربح والخسارة، سيثير حفيظة الأحزاب الأخرى التي استأثرت بالرمز (ب) و (ج) ويخرجُ مشاعرهم العدوانية بإتجاه الحزب الأول، وبالتالي ضد الرمز الديني المستخدم من قبله أساسا للفوز، بحكم عملية الأقتران الشرطي التي تحصل حتما بين الحزب والرمز الديني، عندها ستخسر العملية السياسية حيويتها، وتخسر الطائفة وحدتها، وتخسر الرموز الدينية رفعتها ومن ثم سلطتها الروحية في الأفتاء والتوجيه. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن في الساسية إجتهاد يتسع إلى الخطأ والصواب، تبعا للمواقف والظروف، والخطأ في عراق لم تنضج فيه العملية السياسية بعد، ولم يكتسب فيه السياسيون الخبرة الكافية حتى الوقت الراهن، سيكون هامشه بقدر يفوق الصواب لأكثر من فترة أنتخابية مقبلة، وفي حالته سَتُعمَمْ أستجابة الخطأ على الرمز الديني الذي أستُخدمَ أساسا للفوز،عندها سيكسب الحزب جولة في الوصول الى الحكم وسيخسر الرمز الديني كل جولاته في البقاء رمزا حيويا للجميع. وفي الأنتخابات يسعى كل حزب إلى إنتقاد خطط الآخر وتخطئة برامجه الأنتخابية، والأنتقاد هنا سيزحف نفسيا من الحزب إلى الرمز الديني الذي سيدفع ثمنا من منزلته التي يفترض أن لايطالها الأنتقاد بأعمال دنيوية "سياسية" هو بعيد أصلا عن مجالها. وتأسيسا على ذلك وأمور أخرى كثيرة يمكن القول إن استخدام الرموز الدينية في أية أنتخابات عراقية فيها من السلب ما يفوق كثيرا ما تحققه من إيجاب، على الأحزاب السياسية تجنب الإنزلاق إليها، وعلى الحكومة الإصرار على مواقفها الحاسمة للحيلولة دون الإنزلاق.
د. سعد العبيدي 5/7/2008