المعنويات في الميدان

الفريق الدكتور سعد العبيدي

 

إهــــــداء 

إلـى 

كل العسكريين، الذين سطروا بدمائهم 

وعرقهم، تاريخ أوطانهم، 

أهدي جهدي هذا


تقديم

 

     لقد أثار موضوع المعنويات، أهتمام الكثير من علماء النفس والأخصائيين، وكذلك القادة العسكريين، لتأثير مستوياتها على الأداء والصحة النفسية، في ظروف القتال وخارجها، من جهة، وطبيعتها، غير الثابتة، وتداخلها مع متغيرات أخرى من جهة ثانية، وكانت كذلك محط أنظار الضباط القادة والآمرين العراقيين في حروب عدة، دخلوها أو أدخلوا فيها، في ظروف قتال كانت جميعها صعبة، وغير متكافئة مع خصوم يتفوقون عليهم كثيرا بحسابات التوازن التقليدية، حتى برز بسبب ظروفها الصعبة هذه، العامل النفسي المعنوي، في مقدمة العوامل المؤثرة في تعبئة المنتسبين إلى القتال، وفي صمودهم في ساحة العمليات، حيث الحاجة الملحة، إلى المدد النفسي المتواصل لتحمل الضغوط، وإلى الدافعية العالية لتنفيذ المهام، وديمومة القدرة لتحمل المشاق، والى البقاء بقدر من التوازن في ظروف أضطراب القناعات، وعدم الانسجام مع الأهداف، وقبول العيش في واقع غير مقبول، وغيرها معاناة، عاشها منتسبو الجيش العراقي في ثلاثة حروب كبيرة متتالية من العام 1980 إلى العام 2003، فُرضت عليهم قرارات دخولها، والاستمرار في ساحاتها، وفُرضت عليهم نتائجها، فكانت حروب أو تجارب حروب، دفعت بهم جميعا إلى أن يكونوا مختبرا إجتماعيا، هو الأوسع والأصلح، للبحث والتجريب، خاصة في الموضوع النفسي المعنوي، الذي ما زال حاله مثيرا للإهتمام، ومازالت عديد من الأسئلة ذات الصلة به قائمة، بحاجة إلى إجابة من الباحثين، والمتخصصين، وهذه حقيقة دفعت بالكاتب إلى البحث في هذا الموضوع، الذي عايش معظم حالاته لفترة زمنية طويلة، بحسابات العمل المهني التخصصي، وهي التي دفعت به إلى تقديم الجيش العراقي، مجتمعا من واقعه تضرب الأمثلة، وتقام المقارنات، وتحدد القياسات، وتقدم الاستنتجات والمقترحات، في مؤلف بعنوان شامل للمعنويات في الميدان، مع الأخذ بالإعتبار، إمكانية الاستفادة، من ما ورد فيه من معلومات، وأفكار، وإستنتاجات، وتحاليل، وبيانات، ومقترحات، على مستوى البحث العلمي في المجال النفسي والعسكري، لعموم المجتمعات العربية، التي تلتقي مع المجتمع العراقي، وعموم الجيوش العربية التي تلتقي مع البيئة العسكرية العراقية، في كثير من نقاط الالتقاء، التي تسمح بقدر من التعميم.

      إن المعنويات موضوع، متداخل مع غيره من مواضيع، وحالة نفسية تؤثر في كثير من مناحي السلوك، وتتأثر كذلك بالعديد من العوامل ذات الصلة بالسلوك، الأمر الذي جعل الخوض في غمارها، محاط بكثير من معالم التكرار، أو بمعنى آخر أن التكرار بات موجودا في متن مواضيعه في هذا المؤلف، ولا مفر من وجوده، لصلته بطبيعة الموضوع أي المعنويات التي يحتم البحث في تفاصيل عناصرها، تناول متغير محدد في أكثر من عنوان، فعلى سبيل المثال، عند التكلم عن العوامل المؤثرة على المعنويات، يأتي الأداء العام للمقاتلين عاملا من العوامل المؤثرة، ويتم تناوله من جانب تأثيره المباشر وغير المباشر على المعنويات، وعند الانتقال إلى فصل لاحق، لعرض مؤشرات الاستدلال على الحالة المعنوية نجد أن الأداء العام هو من بين المؤشرات، ويتم تناوله من زاوية الاستدلال، وبذات التسميات لبعض المفردات، لأنها تسميات إصطلاحية شبه ثابتة.

      إن التكرار في بعض فقرات هذا الكتاب، ذو صلة أيضا، بمفردات الحالة النفسية التي تنتج عن المعنويات في، وضعها السلبي أو الأيجابي، إذ وفي حال التكلم عن الإنكسار كحالة حصلت إثر إنسحاب غير منظم، سيتم التطرق إلى الإحباط، وعند مناقشة حالة التعرض إلى صدمة المعركة أثناء الهجوم، يأتي الإحباط كعرض من أعراضها، سيتم تناوله أيضا، وهنا يجد القارئ أن مصطلح الإحباط، قد تكرر في أكثر من وضعية معنوية، وما ينطبق على هذه المصطلحات النفسية، يكون كذلك بالنسبة لبعض المصطلحات العسكرية مثل الضبط المطلوب مناقشة موضوعه مثلا، في كل صفحات القتال، وكذلك الحال بالنسبة إلى القيافة والهندام وغيرها مصطلحات، نجدها أمامنا عند التكلم عن عوامل التأثير، والاستدلال، وكذلك في القياس، وهكذا لمصطلحات وتعابير وأمثلة أخرى، حتمت الضرورة تكرارها، بمستوى حاولنا أن لا يكون مخلا بالجوانب العلمية للموضوع، جهد الإمكان.


المعنويات في الميدان.pdf