لم يكن التفجير الذي حدث أخيرا في دمشق قد حدث بمعزل عن معنى التفجيرات التي عادة ما تَحدث في العراق، وإن كان منفذوه قد خططوا في دوائر تخطيط تنتظم في مجتمع غير العراق. ولم تكن الغاية الاستراتيجية من تنفيذه في ظروف سوريا الأمنية المستقرة تختلف في مآلها عن الغايات التي وجدت لها مجالا فسيحا في ظروف العراق الأمنية المضطربة، وإن أختلفت السبل والأهداف تعبويا. ولم تكن التوقيتات الفعلية لهذا التفجير التي أنجزت متزامنة مع تفجيرات طرابلس في لبنان قد حدثت بالصدفة، وإن أختلف البلدان في وضعهما الأمني والسياسي، وفي قدرة أجهزتهما الأمنية والعسكرية على الضبط والسيطرة. ولم يكن فقه الإرهاب عند طالبان في أفغانستان وعند شقيقتها طالبان في باكستان مختلفا عنه عند التوحيد والجهاد وأنصار السنة، وجيش الفاتحين، والمنشقين عن جيش المهدي في العراق بعد أعتماده "فقه افرهاب" من جميعهم وسيلة صدمة لتكوين فراغات أمنية في جدار الأستقرار الأجتماعي للبلدان الإسلامية، تكون كافية للتسلل من خلالها وتوسيع رقعتها لنشر الهلع والأستخواف، وإن أدعى جميع مريديه سعيهم لإقامة الحكم الإسلامي العادل.
ولم تكن طريقة تنظيم الخلايا الإرهابية في الجزائر والشمال العربي الأفريقي مختلفة عن تلك الموجودة في الصومال والسودان، وفي كشمير والشيشان ولا عن تلك الكامنة في أوربا ودول البلقان، وعلى أرض العراق وأن أجتهدت الواحدة منها بسبل الكسب وطريقة التجنيد.
ولم تكن طريقة الإغواء المتبعة لاستجلاب الشباب المسلم (العاطل، المحبط، المنكسر، المتشبث بآمال الآخرة منفذا وحيدا لحل الفشل الحاصل في الدنيا) إلى ساحة الموت، مختلفة بين مشارق العرب ومغاربهم، وإن تعددت الأشكال وتباينت المناشئ.
ولم تكن الرموز الموضوعة في أعلى السلم التراتبي للتنظيمات الإرهابية مختلفة من الناحية النفسية حيث العزلة والانطواء، والسادية المفرطة، وسعة التخيل، وكثر التبرير، والميل الى التكفير، والرغبة في الانتقام وإن تعددت بيئات أنحدارهم ونشاتهم.
أسئلة كثيرة تدور عن هذا التشابه وتقارب التوقيت، وتوحيد الغايات، وغزارة التموين، ورمزية القيادات، ونوعية النتائج، تواجه القارئ والمتتبع وعابر السبيل، تقود إلى حقيقة:
أن الإرهاب في هذا المحيط، وبأهدافه البعيدة، أسلوبٍ دولي مقنن لأسلمة فعل الإرهاب أي جعله إسلامي الطابع كصفحة من صفحات القتال في ساحة حرب تمتد من المحيط مرورا بأفريقيا متجهة إلى الشرق حتى الحدود الروسية، ساحة واسعة تشمل جميع الدول العربية وغالبية الدول الإسلامية.
وإنه أسلوب مسيطر عليه وغير مكلف لإدارة الصراع مع هذه المنطقة وسكانها غير المتحضرين بالمقارنة مع أساليب الحرب العسكرية.
وإن المتطرفين، والشباب المرضى المحرومين في مجاله باتوا هم الأدوات الفعلية لصفحة القتال هذه بعد أعتقادهم الواهم أن السير في طريقه سيفتح الباب أمامهم واسعا لتحقيق أهدافهم في إقامة الدولة الإسلامية السلفية التي يعد الخوض في غمارها أحد منابع مد وإدامة الصراع.
وإنه في واقع الحال آفة سوف لن يسلم من تبعاتها الكارثية من موّلَ وسهل العبور، ومن أفتى ودعى وشجع، لأن رذاذه المتطاير سيتجاوز أفغانستان والعراق، والجزائر والسودان، وإنه وسيلة حرب نفسية فعالة في إثارة الرأي المضاد للعرب والمسلمين، وحشد الجهد العالمي بالضد من حضارتهم المرشحة بسبب كثر أخطاء أبنائها للأفول.
د. سعد العبيدي 4/10/2008