بعد ما يقارب السنة من أستلام حكومة السيد المالكي سدة الحكم عن طريق الانتخاب نوهت مصادر أجنبية إلى إحتمالات حصول إنقلاب عسكري كأحد الخيارات الممكنة للتعامل مع بعض معاضل العراق الشائكة، وعلى إثره سارع بعض أعضاء الحكومة، ومسئولين في الدولة العراقية للإشارة إلى موضوعه بصيغ مختلفة، كان قسما منها يتجه إلى التحذير من إحتمالات الحدوث، وقسم آخر يؤكد على دحض إمكانات الحدوث، والقسم الآخر يسفه من الفكرة الواردة بالأساس، وأشارت إليه بعض وسائل الإعلام دون تعليق أو أبقت بعض نهاياته بعهدة القارئ العراقي ناقصة بقصد إكمالها نفسيا بالطريقة التي تبقي الفكرة ماثلة للعيان، حتى عاودت ثانية في الوقت الراهن لتسريب نفس الموضوع، في ظروف أنتقال أمني عراقي حرجة، ونقاهة سياسية حساسة، وعاود بعض أعضاء الحكومة ومسئولي الدولة تكرار نفس الآراء التي أوردوها من قبل، وهي عودة وتكرار تقتضي مناقشة الموضوع مناقشة منطقية بهدف التوصل إلى بعض حيثياته ذات الصلة بظروف العراق. وأول مسألة يمكن وضعها في الأعتبار هي فكرة الأنقلاب في العقل العسكري العراقي وبصددها تؤشر أحداث التاريخ أنها موجودة وقد صاحبت العسكر في كل مراحل تكوين قوتهم منذ نشأة الجيش العراقي إبان الملكية ومن بعدها الجمهورية الأولى عبد الكريم قاسم وإلى السادسة صدام حسين الذي نجح في إبقائها كامنة في اللاشعور الجمعي للعسكر العراقي المغلوب على أمرهم بسطوة الحزب الواحدة وأجهزته الأمنية المتعددة، وأستمرت في الوجود ما بعده والتغيير في الجمهورية السابعة لعلاقتها بثقافة القوة وإمكانية أستخدامها سبيلا للوصول السريع إلى تحقيق الأهداف الذاتية التي فتحت الشهية لتحقيقها لعموم السياسيين دون العسكريين الذين رُكُنوا جانبا بعد عام 2003، لكنها فكرة وإن خرجت من اللاشعور وطفت على سطح الشعور يسأل الراغب في متابعة الموضوع هل أن الإنفعال المصاحب لخروجها كافيا لأن يدفع العسكريين إلى تشكيل تنظيم سري ومن ثم الانتقال الى تنفيذ فعل الإنقلاب، وهي المسألة الثانية في تسلسل النقاش التي يمكن الجزم في جانبها أن الفكرة وإن خرجت بالفعل، بقوة دفع التحرر من قيد الدكتاتورية، إلا إن إنفعالاتها بقيت ساذجة، يتداولها البعض في مجالسهم الخاصة للتندر والترويح عن الهموم بين مجاميع من الضباط بالرتب العليا والوسط ثقتهم بأنفسهم، وبمعيتهم لم تكن بالمستوى الذي يكّون فعل العمل العسكري المضاد للدولة أي الإنقلاب، كما إن الإنضباط وقدرتهم في التأثير على المستويات القيادية التنفيذية لم تكن تكفي في حسابات المجازفة لنقل الفكرة إلى حيز التطبيق، وإن رصدوا إمكانية حصوله من الناحية الفنية ذات الصلة بالقوة العسكرية الملائمة للتفوق على قدرة الدولة الدفاعية، وعلى أجهزتها المتاحة للإجهاض، وهي المسألة الثالثة في سلم النقاش التي تعد أكثر المسائل حساسية في سيناريو الانقلاب، وأكثرها إغراءا لكسب المغامرين، إذا ما تم الأخذ بالإعتبار أن الحكومة وكل أجهزتها التنفيذية وأدواتها الدفاعية محصورة في طوق منطقة "الخضراء" محكوم الدخول إليها والخروج منها بأربعة مداخل رئيسية تكفي سرية مشاة آلية للسيطرة عليها وغلقها لشل حركة المسئولين وأجهزتهم الدفاعية، لكنها ومع ذلك سهولة لا يمكن الاستفادة منها دون التنسيق مع الجانب الأمريكي العامل الحاسم في النجاح أو الفشل، الأمر الذي يجر النقاش الى المسالة الرابعة أي الموقف الأمريكي من الإنقلاب، وفي مجاله يمكن القول أن الأمريكان وإن حسبت المصادر الخارجية التي أوحت بالإنقلاب على ساحتهم، إلا إنهم لا يحتاجون إلى حصوله وسيلة فرض ما يريدون فرضه وهم يمتلكون بقوة القانون إمكانية فرض الكثير من خلال قيادتهم لقوات متعددة الجنسيات، المفوضة قانونيا من الأمم المتحدة تحت البند السابع، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإمريكان الذين وضفّوا الكثير من الأموال لإحداث تغيير ديمقراطي في العراق وإن كان في بعض جوانبه لحسابات مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة لا يجازفون في دعم إنقلاب عسكري أو حتى غض الطرف عن حدوثه وهم يدركون بخبراتهم الطويلة في التعامل مع الانقلابات أن قادتها لا يؤتمنون على التنفيذ بعيد المدى وان كان بعضهم مسجل في سجل الوكلاء الرسميين. من هذا يمكن القول أن الانقلاب العسكري فكرة غير واردة من الناحية المنطقية، وغير ممكنة التنفيذ من الناحية العملية في الوقت الراهن والمستقبل القريب، وإن إطلاقها بين الحين والآخر يأتي في إطار الحرب النفسية لتأمين أغراض الضغط على أطراف الحكومة العراقية مع كل مرحلة يتطلب فيها إتخاذ قرارات مهمة كهدف نفسي رئيسي، مع أهداف ثانوية أهمها تعزيز عدم الثقة المتوارثة عند السياسيين العراقيين بعسكرهم ودفعهم إلى تهميشهم وإضعاف الجيش مهنيا، ويمكن القول أن التعامل الصحيح معها يقتصر على إهمالها وعدم الانجرار إلى ساحتها التي لايمتلك عموم السياسيين أدوات التعامل معها نفسيا، أما السيناريو العسكري الأكثر إحتمالا للحدوث كبديل عن الإنقلاب وفي المستقبل ليس البعيد من الآن هو التمرد العسكري لبعض الوحدات في المحافضات بدعم من الحكومات المحلية أو بعيدا عن دعمها والتي ما تزال الحكومة تمتلك العديد من الأوراق النافذة للحد من إحتمالات حصوله من خلال المنع القاطع لتسييس القوات المسلحة، وإعادة النظر بالوحدات المشكلة مناطقيا، وإلغاء المحاصصة في المناصب العسكرية، والأهم منها جميعا التركيز على إعداد الجيش إعدادا مهنيا، ونفسيا ليكون شاعرا بمسئوليته الوطنية في الدفاع عن الديمقراطية وحماية الدستور.