من يتناول موضوع المؤتمر الوطني العراقي الذي عقد في بغداد لأربعة أيام بين الأحد 15/8/2004 ولغاية الأربعاء 18/8/2004 بالبحث والتحليل من زاوية التركيبة الاجتماعية للمجتمع العراقي، يصل إلى استنتاج سريع قوامه أن مجرد عقد هذا المؤتمر وانتهاءه بإعلان الأسماء نجاح معقول لأن ضعف التجانس في هذه التركيبة كان يمكن أن يحول دون أي إتفاق بين مجموعتين أو فريقين وقاعة المؤتمر تغص بالجماعات والفرق والأحزاب. ومن ينظر إليه من منظار الخصائص السلبية في الشخصية العراقية أو بعضها يتوصل إلى رأي مفاده أن المؤتمر المذكور وما تمخض عنه خطوة إلى الأمام لأن الميل العالي للاستعراضية، والمداهنة، وتعدد الأوجه، وسرعة الانفعال، وتناقض السلوك كان يمكن أن تسحب الفكرة إلى الخلف أو تعصف بالمؤتمر والموجودين في قاعته الفارهة إلى خارجها ويفشل المشروع. ومن يسعى إلى تناول خطواته من زاوية الذاتية المفرطة إضطراب يشكو من وجوده العديد ممن حضر المؤتمر يقر أمام الجميع أن نتيجته مقبولة لأن البعض من المؤتمرين وإن كان من دعاة الديمقراطية وقادة تياراتها وأحزابها قد حضر وفي نيته الوقوف منتقدا، وإعتلاء المنصة صارخا، والانسحاب احتجاجا إذا لم يحقق له المؤتمر ما يصبوا إليه شخصيا على حساب الوطن الجريح. ومن ينظر إلى جلساته من وجهة نظر التاريخ، نظرة يستعيد فيها إلى الذاكرة القريبة تلك المؤتمرات العراقية التي عقدت ما بعد عام 1991 وحتى يومنا هذا ويختار من بين ذكرياتها ما كان يجري في الغرف المغلقة وما يحاك من مؤامرات داخل أروقتها وما يتمخض عنها من توجهات للعزل والاقصاء يقتنع أن ما جرى من مخالفات في هذا المؤتمر أقل بكثير مما كان يجري في تلك التي سبقتها ويقر أن هذا القدر من المخالفة نضج معقول في سلوك الديمقراطية. ومن ينظر إلى إنعقاده في ظروف التوتر وإضطراب الأمن التي يعاني منها عموم العراق يدرك أن إتمام هذا الانعقاد إنجاز يفوق الوسط في سلم التقييم لأن الفوضى وعدم الاستقرار والقائمين عليها لم يتمكنوا من الامتداد إلى داخل أروقة المؤتمر وجلساته الخاصة ويحولوا دون تحقيق رغبة المؤتمرين والدولة في الوصول إلى خط النهاية بأقل الخسائر الممكنة. ومن يحاول أن يتلمس الغاية التي عقد من أجلها المؤتمر حيث السير باتجاه الديمقراطية ويقرنها بالولاء المجتزأ في النفس العراقية للعشيرة، والطائفة، والمنطقة، والحزب دون العراق يعترف فورا أن غالبية الخطوات التي سار عليها المؤتمر تلبي القسم الأكبر من الغاية التي تتأسس على فتح ثغرة في الطريق المسدود إلى الديمقراطية، لأن الذي حضر وفي مخيلته الاستعانة بالعشيرة على حساب العراق، أو بالمذهب على حساب الوطن، لم يجد الفرصة للاستعانة بهما أسلوبا لحرف المؤتمر وعدم تحقيق تلك الغاية.
ومع ذلك لم يستطع أحد أن ينكر حدوث هفوات أو تجاوزات في أسلوب الاختيار العام للمؤتمرين ونسب التمثيل للشرائح والطبقات والأقوام، وفي أسلوب الانتخاب بالقائمة، لكن الوقت والظروف المحيطة، وقبول النقد حد التجريح، ومحاولة الحكومة في عدم التدخل، والاحساس بأنها البداية الأولى لشكل من اشكال الديمقراطية بعد أكثر من نصف قرن من الدكتاتورية والاستبداد، تبرر أخطاء وعثرات لابد وأن تكون موجودة على طريق طويل وشائك للديمقراطية، وتدفع جميعها إلى الاستنتاج أن المؤتمر كان خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح.
د. سعد العبيدي 19/8/2004