تقرر الحكومة السياسة العامة للأمن تبعا لإدراكها ماهية وخطورة التهديد، وتوفر مستلزمات النجاح. وتتجه الأجهزة الأمنية والعسكرية المختصة إلى حسن التنفيذ مسنودة بجهد الدولة المتاح لتحقيق النجاح. ويقدم المواطن من جانبه العون في محيط عمله وسكناه مدفوعا بحسه الوطني ومسئولياته الاعتبارية لتعزيز النجاح، وهكذا تتضافر جهود الثلاثة باتجاه التحقيق الأمثل لغاية باتت واضحة للجميع قوامها إعادة فرض الأمن والنظام.
تلك مسألة أو قاعدة ثلاثية الأبعاد لا تتعلق بالعراق أو أفغانستان وغيرها من مناطق الاضطراب الأمني ولا حتى في الصومال، يتلمس المعنيون بها والمراقبون لخطواتها معالم النجاح في تطبيقاتها عندما يكون التنسيق، والتعاون، والانسجام فعالا بين الأطراف الثلاثة، ويدركون معنى الفشل أو يشموا رائحته من بعيد عندما يغيب التنسيق، وينتهي التعاون، ويختل الانسجام أي عندما يخرج أحد الأبعاد الثلاثة من ذاك الثالوث لأي سبب من الأسباب.
وبالعود إلى الوضع الأمني الحالي في العراق، والتهديد السافر لمستقبل البلاد، والخطة الأمنية للحكومة التي تعلق عليها آمال العباد، يمكن القول أن الحكومة قد أدركت فعلا جدية التهديد القادم من قوى في الخارج لا تتفق والسير بطريق الديمقراطية، وأخرى في الداخل تسعى إلى العودة إلى حكم العائلة والعشيرة، والتمهيد إلى الديكتاتورية، وتحركت فعلا بالاتجاه الصحيح، وبنفس القدر يمكن التأكيد على إن المتبقي من عوامل الضبط ومشاعر المواطنة عند العسكر، ورجال الأمن كفيل بالتنفيذ المعقول لأوامر الحكومة في بسط الأمن والسيطرة وتطبيق القانون. ومع ذلك يبقى التعويل على نجاح مساعي الحكومة وقواها الأمنية مرهون بالطرف الآخر من الثالوث أي الشعب والعموم من المواطنين لأن جهود المنفذين لتفاصيل الخطة، وصفحاتها في شارع من شوارع المدينة والقضاء، أو على مقربة من قرية نائية في الريف على سبيل المثال ستكون صعبة أو منقوصة إذا ما تسترت عائلة على شخص فر من مواجهة قبل دقائق معدودات، وقدم أحد من أفرادها معلومات لمجموعة إرهابيين يسكنون في القرب من تقدم رجال الأمن المنفذين، وقدمت سيدة من العائلة طعاما لإرهابيين غير قادرين على الخروج من مخابئهم بعد تقرب المنفذين إلى أماكنهم، وإذ ما أرسل صبية من هذه العائلة أو تلك لنقل الذخيرة إلى إرهابيين يتخذون من الدار القريبة موقعا قتاليا، وأفتي شيخ جامع بتقديم العون والمساعدة في الإيواء والاحتضان، وقدم فلاح في الريف دابته وسيلة نقل الأعتدة، والأرزاق للإرهابيين، وقبل شيخ عشيرة الإتاوة وتقسيم مغانم الاختطاف نظير القبول بالتنقل والمرور عير منطقته وقتل الغير في المناطق الأخرى، وإذا ما زوّرَ موظف مختص وثيقة مرور للمشبوهين، وتكتم سائق سيارة على نشاط المشبوهين، وتعاطف آخر مع توجهات المشبوهين، وكتب صحفي بما يحرض على العمل المسلح بالضد من الحكومة وأنصف المشبوهين، وإذا ما خشي الجمع على أرواحهم وصمتوا فقبلوا أو فضلوا الفقدان الفردي للروح على المجازفة بإنقاذ ما تبقى من الأرواح، وإذا ما وقف العموم على التل متفرجين ينتظرون العون الإلهي دون التحرك لتلبية ما يفرضه الشرع، ويريده الإله.
عندها سيكون الأمر صعبا، والتكهن بالنجاح مستحيلا، وفي حالتها سيكون المواطن هو الخاسر الأكبر، وستتعرض البلاد إلى مزيد من الدمار، وعلى أساسها يمكن القول أن أمام المواطن العراقي فرصة لتعديل المواقف، والمشاركة الجادة مع جهد الحكومة كطرف رئيسي في تعزيز الأمن، والاستقرار، وأمام الحكومة فرصة لتعديل إدارتها النفسية لأبناء البلاد، لتضمن مشاركتهم إياها في السراء والضراء.
د. سعد العبيدي 18/6/2006