ان المشهد السياسي الحاصل في العراق بالوقت الراهن، قوامه عراك، او نموذج للتحرك السياسي المبني على دوافع العراك. طبيعته الاجرائية، تنقل وتجوال بين السليمانية واربيل والنجف الاشرف، وجمع تواقيع والطعن بصحتها، واتصالات مع أطراف قريبة في الداخل واخرى بعيدة في الخارج من اجل الاستقواء، ونوايا مبيتة مسبقا للازاحة والتنكيل، واستعمال شتى الاساليب، بقصد فض اختلاف بطريقة لي الاذرع، وليس باسلوب التفاهم لحل معظلة قائمة في اطار العملية السياسية التي تحاج الكثير من جهود التفاهم.
وفي هذا المشهد الشائك يتجاوز المعنيون "أغلب المعنيين" عاصمة حكمهم بغداد، يمرون بها فقط لجس النبض النافع لهم والضار لخصومهم، وحشد الجهد اللازم لتقوية المواقف والتأثير على خيارات الطرف المقابل، على العكس من التحرك السياسي المفروض أن يكون فيها، ومنها عاصمة للجميع، وخلاف المنطق الذي يجعل الحل في محيطها اكثر قبولا من العراقيين صاحبي المصلحة، ومن العالم صاحب التأثير والنفوذ، واكثر قوة في الالتزام به والشعور بنفعه للجميع شعبا ومسؤولين سياسيين وفرقاء متجادلين.
انه مشهد اضطراب كانت نتيجته الاولية انقسام حاد الى فريقين مؤيد لرئيس الحكومة ومعارض لوجوده وبينهم ثالث محايد صامت يتحين فرص النفع، ليخرج من سباته ويحسم النتيجة.
يتحركون بطريقة تزيد المسافة النفسية للاختلاف، وتضيف المزيد من مشاعر الاحتقان، وحتمت انتقال اصحابه من فرقاء متوافقين الى اعداء متعاركين، بمستوى عال من الخطورة، بعد أن جعلوه مرتبط بالاشخاص، ارتباط يتحركون من خلاله "دون ان يدركوا آثاره النفسية" بضوء المصالح الذاتية.
يحسبون النتيجة التي يسعون الى الحصول عليها نفعا لهم، ويعدون الخسارة بنفس الاتجاه اخفاقا لذواتهم، حتى ضاعت في اطاره كتصادم شخصي المصالح الوطنية، وانتهت الخطوات العملية لانضاج فهم صحيح للعملية السياسية ولخطوات الديمقراطية، التي لو كان لها أن تنضج لما طال الجدال بين الحكومة وخصومها اكثر من سنتين، وتأخر استيزار وزراء مهمين لنفس الفترة الزمنية، وتعثرت الخدمات لتسع سنين، وزاد الفقر، وتفشت الامية طوال هذه السنين التي اعقبت التغيير.
ان السبب وراء هذا العراك، الذي يصعب انهاءه باقل الخسائر هو الاضطراب الحاصل في العملية السياسية التي اقيمت اصلا على عمودين واهنين، هما الديمقراطية التوافقية التي لم يتوافق اطرافها الا في قضايا المصالح الذاتية، والمجتمع العراقي الذي لم ينضج بعد في التفاعل مع خطى الديقراطية.
انها ازمة عراك، الحل المتاح في مجالها:
اعادة ترتيب العملية السياسية، بما يحقق قدر من الابتعاد عن الصيغة التوافقية.
الخروج من طوق الذاتية الى الساحة الجماعية الفعلية.
التركيز على بغداد اساس الحل لجميع المشاكل العراقية.
وبعكسه سيجد المتخاصمون في عراكهما خسارة لهم شخصيا، واكبر منها خسارة للعراق وطنا آمنا للجميع.
6/6/2012