لو تجاوزنا منطق الولاء للوطن الواحد، والمشاركة في العيش التي تشكل مفهوم القوم والطائفة في المجتمعات المتحضرة الآمنة، واقتربنا قليلا أو اتفقنا مجازا مع عنصرية قيادة حزب البعث الذي حكم العراق سابقا، وبسببها وتلك المشاعر التي كانوا يعززونها في النفوس آنذاك آمنا أن العراق كان وما يزال وسيبقى في المستقبل البعيد أقوام مختلفة، وطوائف متعددة، وحاولنا على أساسها وبروية وتأن أن نناقش مع أنفسنا أوجه الخلاف، والاتفاق بين هذه الأقوام والطوائف. وفي مجالها نسأل أنفسنا:
هل تصل نقاط الخلاف والتقاطع بين أقوام العراق، وطوائفه إلى مستوى القتل العمدي دون سبب جنائي كما هو حاصل في الوقت الراهن؟ .
وألا يمكن في خضم هذا القتل الغادر والتعقيد، والتأزم من أن نجد أو يجد العقلاء من بين طوائفنا نقاط تقارب واتفاق تحول دون حصول ذلك؟
ولماذا لم يتعظ العراقيون من حوادث التاريخ، ويسعون جميعا لحقن الدماء؟
وبالمنطق وعلى أساس الحوادث المثيرة للخلاف في الزمنين البعيد والقريب، يمكن الإجابة على تلك الأسئلة من خلال القول أن أوجه الخلاف بين طوائف وأقوام العراق عبر تلك الأزمنة كانت مذهبية الطابع بعد أن تعمق العلماء بالاجتهاد في أصول الدين وفقه الشريعة، وأوغل العامة من أبناء القوم الواحد بالجهل والابتعاد، وأستثمر الحكام ذلك لصالح القهر والاستبداد، حتى تمسك البعض بصحة الاعتقاد، ولم يكتف بذلك فتوجه دون وعي إلى التكفير، والانتقاد متجاوزا معنى الاجتهاد، وسار أبناء القوم، والدين الواحد إلى التجزئة مكونين طوائف متعددة بولاءات مختلفة، وانتماءات متناثرة، فيها نقاط عدم التلاقي تفوق كثيرا تلك الموجودة أصلا بين الأقوام المختلفة، وهي خلافات تؤدي إلى سلوك القتل عندما يعم الجهل، ولا يتعظوا من آثارها وهم غارقون فيه حد العمى وفقدان البصيرة.
وما يهمنا هنا ليست النشأة الأولى للخلاف المذهبي وأسباب تكوينه، لأنه موجود في كل الأديان، ومتواجد في كثير من النفوس على الرغم من اختلاف شدته تبعا لعاملي التحضر، والقدرة على إدراك الحقيقة، لكن الذي يهمنا هو ما يتعلق بالعظة التي لم يأخذها بعض العراقيين من حوادث الماضي في محنتهم الحالية إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الخلاف في الرأي، والاجتهاد المذهبي بين الأقوام والطوائف في العراق ما بعد الحكم الأموي الذي أرسى قواعد القتل بسبب الاختلاف، والعباسي الذي حاول استثماره لأغراض الانفراد بالحكم لم نجد أنه أي الاختلاف كان سببا أساسيا في إثارة الكره والحقد حد إثارة الغضب الانفعالي الذي يدفع إلى القتل لمجرد الاختلاف، بل وهناك دوافع أخرى أغلبها سياسية الطابع إذ نجد في التاريخ ليس البعيد على سبيل المثال أن جميع الحوادث التي سجلت عبر مراحله كدوافع قتل بسبب الاختلاف كان ورائها حكام وأقوام يسعون إلى الهيمنة، ونهب الخيرات بدعوى المذهب والدين، وهم في طريقهم إلى تثبيت الحكم يسعون إلى دعم مذهب دون آخر وتفضيل أبناءه على أبناء المذهب الآخر لمستوى إثارة الفرقة، والحقد التي يجد فيها الحاكم مجالا مناسبا للسيطرة وبسط النفوذ، ويجد فيها العراقيون من أبناء المذهب الحاكم أنهم قد كسبوا جولة، دون أن يدركوا أنهم سيخسرونها عندما يقوى الحاكم الأجنبي من المذهب الآخر ويعيد احتلال العراق سائرا على نفس النهج والطريق، وقد يزيد قليلا في سعيه لتهديد الأضرحة ودور العبادة بعمليات التهديم، وهكذا تتكرر الأحداث ويدفع العديد من العراقيين الثمن دون أن يعوا بأنهم جميعا خاسرون.
وما يهمنا أيضا ونحن في محنة أن نذكر أنفسنا، والقريبين على أن الاختلاف حد القتل كان وسيبقى هدفا غير عراقيا، وأن نذكر السياسيين بأن هذا السلاح لو أتسع استخدامه سوف لن يستطيعوا إيقاف تأثيراته الكارثية التي ستشملهم ولو بعد حين، ونذكر أيضا أدواته من الجهلة والمارقين، أنهم وقوده المدفوع ثمنه من قبل أعداء الدين والطائفة، والمذهب من خارج العراق.
د. سعد العبيدي